Tuesday, July 21, 2009

صـفـحـــــات مـن الـــــتاريـخ ( 7- 18


عبدالحميد الشعبي - عضو المكتب العسكري للجبهة القومية: (الحلقة السابعة).. السلامي نزل إلى عدن لتنفيذ مخطط ضرب وتفتيت الجبهة القومية


* الجيب التنظيمي المزروع في الجبهة كان يتألف من العناصر القيادية وقد مارس أدواراً تدميرية
* المخابرات المصرية عملت على تصفية الثورة من جذورها بالتعاون مع عناصر في الجبهة
* فيصل عبداللطيف رفض محاسبة العناصر المتعاونة مع المخابرات وكان يعمل على أساس إعادتها إلى صوابها

حوار: سامي غالب - باسم الشعبي
> في اواخر 64 جرى نقاش داخل الجبهة القومية بتعز حول اختيار اعضاء المكتب التنفيذي للجبهة، وتمت المفاضلة بين عبدالفتاح اسماعيل وعبدالملك اسماعيل، فعلى من وقع الاختيار؟
- أورد عبدالحافظ قائد في صحيفة «صوت العمال» بتاريخ 12/10/1989 أنه وفي الاجتماع المنعقد بمنزل عبدالرحمن احمد سعيد بتعز تم الاتفاق على الأسماء التي ينبغي أن تكون في المكتب التنفيذي وأن بعض الرفاق من «الجنوب» أخذوا يقارنون بين عبدالفتاح اسماعيل وعبدالملك اسماعيل في العضوية وكان هناك من يتحفظ على عبدالفتاح اسماعيل ليس كرهاً وإنما لعدم معرفتهم أن «فتاح» كان قد قفز قفزات هائلة في المضمار السياسي والثقافي رغم صغر سنه آنذاك.
> وبعد المقارنة من الذي أختير؟
- لم تحدث مقارنة، لأن عبدالمك اسماعيل كان عضواً مؤسساً في حركة القوميين العرب، وعبدالفتاح كان ما يزال حديث العضوية في الحركة فمن غير المعقول أن تتم المقارنة بينهما.
> معنى ذلك أنه لم يتم اختيار لا عبدالفتاح ولا عبدالملك اسماعيل لعضوية المكتب التنفيذي؟
- لم يتم اختيارهما. لأن الأسماء كانت قد حددت. والكلام الذي قاله عبدالحافظ قايد لم يطرح أصلاً.
> اذاً من هم أعضاء المكتب التنفيذي؟
- كانوا ثمانية أعضاء وهم: فيصل عبداللطيف الشعبي، وسيف أحمد الضالعي، وقحطان محمد الشعبي، وعلي أحمد ناصر السلامي، وطه احمد مقبل، وسالم زين محمد، وعلي محمد سالم الشعبي، وعبدالباري قاسم، وكان المكتب التنفيذي أعلى سلطة في الجبهة القومية إلى ما قبل المؤتمر الاول الجبهة القومية.
> في يونيو 65 وقبل انعقاد المؤتمر الاول للجبهة القومية طُلب من علي احمد السلامي النزول إلى عدن ونزل كما قال بمهمتين: توسيع قيادة الجبهة القومية بإشراك عناصر من خارج حركة القوميين العرب، واسقاط حكومة عبدالقوي مكاوي، فهل حالفه النجاح؟
- السلامي هو الذي قال أنه نزل بمهمتين، ولم يكن أحد يعرف ذلك. فحينما طلع عبدالفتاح اسماعيل من عدن على أساس أنه مريض حسب قوله، كان فيصل عبداللطيف موجوداً في تعز فطلب من علي السلامي النزول إلى عدن لأمر يتعلق بجبهة عدن كون فيصل تم كشفه وعبدالفتاح مريض، ولم يتم تكليفه بشيء. كل مافي الأمر أنه كان هناك مخطط لدى المخابرات المصرية وعلي السلامي «عارف به»، وكذا عبدالفتاح اسماعيل، وقد استغل علي السلامي نزوله إلى عدن لتنفيذه.
> ما طبيعة هذا المخطط؟
- ضرب وتفتيت الجبهة القومية بالإتفاق مع المخابرات المصرية.
> ألم يتم اسقاط حكومة مكاوي؟
- لا. لأن علي السلامي، حسبما يقول، اتصل بعبد القوي مكاوي، فرد عليه بالقول: اعتبروني عضواً في الجبهة القومية وبادر بدفع 500 شلن كإشتراك.
> وهل نجح السلامي في تنفيذ المخطط الذي أشرت إليه؟
- طبعاً لا. لم ينجح وقد مكث في عدن ولم يشارك في المؤتمر الاول للجبهة القومية المنعقد في 22 يونيو 65، ولما عاد في يوليو أو اغسطس 65، كان عبدالفتاح موجوداً في تعز، وكانت قد بدأت تظهر الحساسيات بعد المؤتمر الأول لدى بعض الأشخاص في الجبهة القومية استغلتها المخابرات العربية ووسعتها، فعبدالفتاح اسماعيل بالإضافة إلى كونه رفض النزول إلى عدن بحجة أنه مريض، ظل طوال تلك الفترة حتى تاريخ 19 اكتوبر 65 صامتاً فلم يكن يتكلم ولا ينتقد وكنت دائماً على تواصل معه.
> كونك أشرت إلى وجود جيب تنظيمي مزروع في الجبهة القومية ومن مهامه، كما ذكرت، العمل على شق الجبهة من الداخل، هل كان افراد هذا الجيب من العناصر القيادية في الجبهة؟
- نعم. من العناصر القيادية وكانت لهذا الجيب أدوار تدميرية بدأ يمارسها منذ مارس 63 وحتى 22 يونيو 69. بل أن دوره التدميري امتد فيما بعد.
> هذا يعني أنه حدثت عمليات اختراق؟
- حصل هذا من أول يوم.
> وكيف كنتم تتعاملون مع الحالات التي تُكتشف؟
- فيصل عبداللطيف كان مرناً، وكان يعتقد أن جهل هؤلاء يدفعهم للتعامل مع المخابرات وأنه بالإمكان معالجة هذا الموضوع.
> كنتم تعتبرون التعامل مع المخابرات المصرية تهمة في ذلك الوقت؟
- لا. لم يكن ذلك عيباً. ولكن تتعامل معها وانت تعرف أن سلوكها مشين وهذا خطأ.
> كانوا يتعاملون مع المخابرات المصرية على أساس أن ذلك يخدم المد القومي وهذا حدث في أكثر من دولة؟
- كنا نقول إن هذا غلط، وإنه ما يصحش أن تتصل المخابرات بعناصر في الحركة أو الجبهة للتحريض ضد الثورة.
> كنتم تعرفون هذه العناصر؟
- كنا عارفين أسماءهم.
> ومع ذلك لم تتخذ أية إجراءات ضدهم؟
- شباب الجبهة القومية من الصف الثاني طالبوا بمحاسبتهم لكن فيصل عبداللطيف كان يعمل على أساس أنه سيعيدهم إلى صوابهم.
> ظهرت هذه العناصر بوضوح عندما حدث الدمج؟
- لا. كانوا ظاهرين من قبل. يمكن القول إن العناصر التي كانت متصلة بالمخابرات المصرية تنقسم إلى قسمين: قسم واع بما تريده المخابرات المصرية وقسم آخر غير واع، وكانوا يعتقدون أن ما تريده المخابرات المصرية هو إجراء تصحيح في الجبهة القومية لبعض الأخطاء. لكن ما كانت تريده المخابرات شيئ آخر، كانت تريد تصفية الثورة بشكل عام ومن جذورها.
> ماهي الأخطاء التي كانوا يريدون تصحيحها؟
- كانت هناك ممارسات يومية لبعض الأشخاص. مثلاً كان هناك من يتناول القات وينام إلى الساعة 11 ظهراً. وكان هناك بعض الاشخاص يأخذون أسلحة ويبيعون من أجل توفير قيمة القات.
> يعني كنتم ضد القات؟
- لا. كان هذا أمراً عادياً فالقات كان رخيصاً، بس الواحد لما يخزن ثم يأتي إلى المكتب الساعة 11 قبل الظهر هذا كان أمراً غير مستحب. أو يبيع أسلحة من أجل القات، هذا خطأ.
> هل كان فيصل يتناول القات؟
- لا.
> وقحطان؟
- لا.
> وأنت؟
- أيضاً لا.
> لكن طه مقبل كان يخزن؟
- نعم.
> ربما كان فيصل يقول هذا هو الموجود وعلينا التعامل معه؟
- كان من أدبيات الجبهة القومية الإنضباط والصرامة.
> هذا في حركة القوميين العرب؟
- والجبهة القومية.
> الجبهة القومية تنظيم مفتوح؟
- هذا صحيح، ولكن كانت هناك التزامات معينة.
> الذي نعرفه أن المخابرات المصرية كانت حليفاً وليس عدواً على الرغم من ممارساتها السيئة كما يقال، ألم تحدث اختراقات مماثلة للجبهة من قبل أجهزة أخرى أو حتى تنظيمات وأحزاب؟
- لم يكن هناك تثقيف للراغبين بدخول الجبهة القومية كما كان يحدث في حركة القوميين العرب، ولهذا من الطبيعي أن تكون عناصر معينة اخترقت الجبهة حتى أني اشك في دخول عناصر من الموساد.
> ألم يحصل حديث شفهي بينك وبين علي السلامي أو طه مقبل في موضوع المخابرات المصرية كنقدها مثلاً أو ضرورة الحذر منها؟
- لا، لم يحصل. كنت أتعامل معهم كصديق ورفيق وأخ.
> ما حصلش أنك نصحت أحداً منهم بعدم التعامل مع المخابرات؟
- كنا نترك مثل هذه المواضيع لفيصل عبداللطيف.
> باعتباره هو القائد؟
- هو الذي أطَّرهم في الحركة.
> اكيد دار بينك حديث وبين فيصل حول هذا الموضوع، هل كان يتألم؟
- كان يعتبر هذه الأمور ثانوية.
> هم أصغر منه سناً وهو قائدهم ومع ذلك يتعاملون مع المخابرات دون علمه، أكيد كان يشعر بألم وحزن؟
- فيصل لم يكن يُظهر ذلك. قحطان كان عكس فيصل.
> يعني فيصل تعاطف معهم كثيراً؟
- لولا فيصل لكان قحطان تخلص منهم عام 64.
> كيف كانت علاقتك بعبدالفتاح اسماعيل؟
- علاقة كويسة.
> هو تسلم مسؤولية العمل العسكري في عدن بعد اكتشاف فيصل، وهذا معناه أنه كان يتلقى تعليمات منك؟
- لا. ليس مني، التعليمات لجبهة عدن كانت من فيصل عبداللطيف.
> لكنك كنت المنسق في تعز وتتواصل مع المصريين والقيادة وجبهات القتال؟
- كانت مسؤولياتي محدودة.
> يعني فيصل كان المسؤول عن جبهة عدن حتى وهو في تعز؟
- كان يشرف على العمل العسكري بعدن حتى وهو في القاهرة.
> محمد سعيد عبدالله (محسن) يبدو أنه نفذ عملية عسكرية في عدن وبعد أن كُشِفَ نُقل إلى جبهة الصبيحة؟
- جاء إلى مكتب الجبهة بتعز وقرر أن يذهب إلى الصبيحة.
> وهناك تعرض لإصابة بالخطأ؟
- هو قال إنه تعرض لإصابة بالخطأ، ولم تكن مهمتي التحقيق في الموضوع. كانت مهمتي تقتضي نقله إلى المستشفى فنقلته إلى المستشفى الجمهوري بتعز.
> كيف كانت حالته حينما وصل إليكم؟
- الأطباء قالوا إن نجاته من الإصابة ميؤوس منها.
> ولما وصل أول مرة إلى مكتب الجبهة القومية بتعز كيف وجدته؟
- كان شاباً لطيفاً وهادئاً.
> هل كان صارماً، أو كانت عنده ميول أمنية؟
- لم يكن صارماً ولم تكن عنده أية ميول أمنية.
> ألم يكن ضمن الجهاز الامني للجبهة القومية لاحقاً؟
- حسب علمي، لا.
> هل كان له دور بارز؟
- لم يكن له دور إطلاقاً، كان له دور بارز في 20 مارس 68.
> في الفترة ما بين مطلع يناير حتى يونيو 65 كانت لكم عمليات قتالية متنوعة في عدن وكان عبدالقوي مكاوي حينها في عدن، هل كنتم تعتبرونه عدواً؟
- بالعكس. لم يكن عدواً. ولو رجعتم إلى وثائق الجبهة القومية ستجدون أننا كنا نحرص على عدم التعرض إلى المتعاونين مع الحكومة البريطانية. حتى مراكز جيش الاتحاد كنا نطالب جيش التحرير بعدم ضربها.
> منظمة التحرير متى أعلنت؟
- في 64، وبالتحديد بعدما تعرضنا طه أحمد مقبل وأنا للضرب بالصورايخ في دار الضيافة بالبيضاء.
> لماذا هذا الربط؟
- الجبهة القومية أصدرت بياناً بعد الواقعة وحمَّلت جعبل بن حسين سلطان مكيراس والعواذل المسؤولية، وهو اتصل بالمخابرات المصرية لتسليم نفسه، وفي نفس اليوم نقلوه بطائرة خاصة من البيضاء إلى مطار تعز ومن تعز إلى القاهرة، وبعد ذلك اتفق مع الرابطة وحزب الشعب لتشكيل منظمة التحرير.
> قبل انعقاد المؤتمر الأول للجبهة القومية في 22 يونيو 65 بيومين عُقِد أجتماع لشباب الجبهة القومية المنتمين لحركة القوميين العرب، من هؤلاء الذين حضروا الاجتماع، وماهي القضايا التي نوقشت فيه؟
- حضر الاجتماع 16 عضواً، هم: فيصل عبداللطيف الشعبي، وسيف أحمد الضالعي، عبدالفتاح إسماعيل، وعبدالقادر سعيد، وعبدالرحمن محمد سعيد، وأحمد صالح الشاعر، ومحمد سعيد مصعبين، وعبدالباري قاسم، وسالم ربيع علي، وحسين عبده عبدالله، وعبدالملك أسماعيل، وعبدالحميد عبدالعزيز الشعبي، وعبدالله الخامري، ومحمد البخيت، سالم علي الكندي، وحيدر ابو بكر العطاس، وكان ممثلاً عن الطلاب في القاهرة. وقد ترأس فيصل عبداللطيف الإجتماع وكان جدول أعماله ينصب حول التقييم الشامل للكفاح المسلح سلباً وايجاباً للفترة من 14 اكتوبر 63 وحتى 21 يونيو 65، وكذا التقييم الشامل للمناضل الثوري في الجبهة القومية سلباً وايجاباً، ومناقشة وتقييم مواقف الدول العربية من الثورة ومواقف دول عدم الإنحياز ودول المعسكر الإشتراكي. وكذا مواقف الأحزاب في الجنوب اليمني من الثورة ونشاط الجبهة القومية سياسياً وإعلامياً، وتقييم قيادات جبهات القتال، وتسليح جيش التحرير وتنظيم إدخال السلاح إلى الجبهات بالإضافة إلى توحيد جيش التحرير وتدريبه وتوسيع قيادة الجبهة القومية والعمل على تشكيل مجلس وطني لقيادة الثورة مكون من 30 شخصاً ومناقشة الميثاق الوطني.
> وهل تم مناقشة كافة القضايا؟
- معظمها، وقد برزت جوانب سلبية وإيجابية.
> أذكرها لنا؟
- بالنسبة لجبهات القتال فقد أشار فيصل عبداللطيف إلى أن الجبهة القومية افتتحت 12 جبهة، مبرزاً الجوانب السلبية والايجابية التي رافقتها. والجبهات هي: ردفان، عدن، الضالع، الشعيب، حالمين، دثينة، الصبيحة، الحواشب، الحواشب الشرقية، الواحدي، بيحان، واخيراً تجربة قتال في جبهة يافع السفلى. ومن ضمن الجوانب السلبية: بروز عناصر انتهازية حاولت استغلال الثورة، وعدم الانضباط في بعض جبهات القتال، والسبب يعود إلى ضعف المركز المتمثل في مكتب الجبهة القومية بتعز في عدم الإتصال بجبهات القتال. ومن الجوانب الإيجابية بروز قيادات أثبتت قدرتها وكفاءتها في قيادة الكفاح المسلح في جبهات القتال، وإرغام الإستعمار على مواجهة حرب منظمة وشاملة، وشمول المعركة وامتدادها إلى عدن ما أزعج الاحتلال، بالإضافة إلى كون الثورة أعادت للشعب ثقته بنفسه وأن الكفاح المسلح أسهم في إبراز القضية على المستويين العربي والدولي.
> وماذا عن المواقف العربية؟
- أكد الاجتماع على أهمية موقف ودور الجمهورية العربية المتحدة في تمويل الجبهة القومية بالسلاح، إلا أنه انتقد اعتبارها السلاطين قوة فاعلة في جنوب اليمن المحتل، مع وصف ذلك بالإعتقاد الخاطئ. وعلى الرغم من ذلك فقد شدد الاجتماع على ضرورة المحافظة على جو الثقة مع الجمهورية العربية المتحدة، واعتبر مواقف الحكومات المتعاقبة في الجمهورية العربية اليمنية عدائية وضعيفة، وأن موقف العراق يعتبر أفضل من مواقف الحكومات العربية الأخرى حيث قدمت بعض الأسلحة والأموال، أما الجزائر فلم تقدم شيئاً، وكانت مساهمة الحكومة الكويتية ضئيلة، أما السعودية فإن موقفها يعتبر امتداداً لموقفها العدائي من ثورة 26 سبتمبر، وموقف سوريا سلبي. وبالنسبة لمواقف دول عدم الانحياز فقد أيدت الكفاح المسلح إلا أنها لم تتخذ خطوات عملية لمساعدة الثورة. أما دول المعسكر الاشتراكي فلم يكن هناك اتصال معها إلا في الآونة الأخيرة وقد تجاوبت الصين وتحفظت روسيا. وبالنسبة للأحزاب السياسية في الجنوب فقد اظهرتها الجبهة القومية على حقيقتها أمام الشعب حيث كانت ترى أن بريطانيا ستعطي الاستقلال للمعتدلين.
واكد الاجتماع على أن جيش التحرير يحتاج إلى المزيد من التدريب والمزيد من الأسلحة وتكثيف المحاضرات التي تلقى عليه وأن يكون هناك عمل جاد لتوحيده. كما أقر الاجتماع توسيع الجبهة القومية وذلك بتشكيل مجلس وطني لقيادة الثورة مكون من 30 عضواً. ولما كان مقرراً عقد أول جلسة للمؤتمر الاول للجبهة القومية مساء الثلاثاء 22 يونيو 65 فقد تقرر تأجيل النقاش حتى إنتهاء أعمال المؤتمر.

صـفـحـــــات مـن الـــــتاريـخ ( 6- 18


عبدالحميد الشعبي - عضو المكتب العسكري للجبهة القومية: (الحلقة السادسة).. راهنت بريطانيا على فشل العمل المسلح بعدن فأسقط أبطال الجبهة القومية كل الرهانات


* سلم علي ناصر محمد ومحمد علي هيثم أسلحتهما
الشخصية وقالا: خلاص جمدنا أنفسنا يا فيصل!
* فيصل عبد اللطيف قرر بشكل فردي فصل ناصر السقاف من الجبهة دون الرجوع إلى القيادة
حوار: سامي غالب - باسم الشعبي

> بعد عودة قيادة الجبهة الوسطى إلى تعز قلت إنها كانت تحمل خلافاتها، ما طبيعة هذه الخلافات؟
- كل واحد يريد أن يكون هو المسؤول.
> أنت إلى من كنت تميل؟
- ولا إلى واحد منهم.
> طيب من كنت ترى أنه الأجدر؟
- ولا واحد، وقد تركت الموضوع لفيصل عبداللطيف.
> وماذا قرر فيصل؟
- عندما لاحظ أن محمد علي هيثم وعلي ناصر رأيهم موحد، قام بفصل ناصر السقاف دون الرجوع إلى القيادة الجماعية.
> يعني اتخذ قراراً فردياً لاعتباراته هو؟
- كان ينظر إلى أن خسارة واحد أفضل من أن نخسر اثنين. وقبل اتخاذ قرار الفصل بذل فيصل دوراً كبيراً لحل الخلاف. إلا أن الجيب التنظيمي المزروع في الجبهة القومية وقف حائلاً أمام كل المساعي الرامية إلى الإبقاء على ناصر السقاف.
> علي ناصر ومحمد علي هيثم كانوا قريبين من بعض؟
- كانوا من أسر عادية. أما ناصر السقاف فكان من أسرة مشايخ وسادة، وكانت هناك حساسية من هذا الموضوع.
> قبل فصل ناصر السقاف اصطحبه فيصل معه إلى الشمال؟
- ذهبا لمقابلة رئيس الوزراء، الجائفي، في صنعاء، وأذيع اللقاء من إذاعة صنعاء يومها.
> السقاف كان معروفا كما يبدو، وكان لديه مواصفات معينة؟
- كان معروفا لدى السلطة في الشمال، بعكس الإخوة الآخرين كانوا عاديين جداً.
> هل كانت أعمار ناصر السقاف، وعلي ناصر ومحمد علي هيثم متقاربة؟
- ناصر كان يكبرهم بسنتين أو ثلاث.
> كيف تم بعد ذلك تبرير فصل ناصر السقاف؟
- الموضوع طرحناه في اجتماع موسع.
> طرحتموه كمأخذ على فيصل عبداللطيف؟
- نعم لأنه كان المفروض أن يتشاور مع القيادة، وطبعاً كان هذا أول خطأ يرتكبه فيصل.
> فُصل من الحركة والجبهة، وماذا كانت ردة فعله؟
- نعم، أصدر تقريراً عما يدور في الجبهة والحركة.
> كنتم على علم به؟
- نعم.
> ماذا حدث بعد ذلك على صعيد الجبهة الوسطى؟
- حدث أنه بعد فصل ناصر السقاف قدَّم محمد علي هيثم مذكرة بسبب خلاف حدث بينه وبين فيصل عبداللطيف، إلا أن فيصل لم يحاول حل المشكلة، حتى أن محمد علي هيثم وعلي ناصر محمد جاءوا إلى المكتب العسكري لتسليم أسلحتهم.
> كان فيصل الشعبي على علم بذلك؟
- لم يكن يعلم في البداية، إلا أنه عرف بعد ذلك أن محمد علي هيثم وعلي ناصر محمد دخلوا المكتب العسكري بأسلحتهم وخرجوا من دون سلاح وأن عبدالحميد الشعبي كان هناك، ولا أدري من أخبره بذلك.
> كيف تصرف؟
- عندما دخل إلى المكتب العسكري تساءل: أيش هذا؟ فرددت عليه: هذا سلاح علي ناصر وهذا سلاح محمد علي هيثم. فتساءل مرة أخرى: ليش؟ فقلت له: سلموا أسلحتهم وقالوا إنهم استلموها من الجبهة القومية وأعادوها إليها وأنهم قالوا: "نحن خلاص جمدنا أنفسنا يا فيصل". أنا حاولت أقنعهم على الإبقاء على أسلحتهم معهم فرفضوا. وقد أخبرت فيصل بضرورة الجلوس معهم وكان هذا رأيي حينها، إلا أن فيصل أهمل الموضوع، وهذه الواقعة حينما ذكرتها لعلي ناصر في 76 انزعج وأنكرها.
> ربما كان يعتبرها انتقاصا منه؟
- كان هو رئيس وزراء في تلك الفترة، ولما ذكرته بالواقعة لم أكن أقصد الانتقاص منه.
> هل هناك أسباب أخرى لتعثر الجبهة الوسطى؟
- أولاً لم تكن توجد مراكز انجليزية، أي تابعة للاستعمار. وثانياً استنكار الشعب للأعمال التي يقوم بها جيش التحرير ضد جيش الاتحاد والجميع من أبناء شعبنا. ومن ناحية أخرى عدم شمول القتال منطقتي مكيراس والفضلي.
> لماذا لم يتسلم حسين الجابري قيادة الجبهة الوسطى؟
- قيادة الجبهة القومية هي التي كانت تحدد مهام العناصر المكلفة بمهمات في الجبهة الوسطى وغيرها من الجبهات. وكان منهم حسين الجابري وعلي عبدالعليم وخالد عبد العزيز ومحمد سالم تومة.
> حسب تقرير قُدم للمؤتمر الأول للجبهة القومية فإن إدارة حرب التحرير في الجبهة الوسطى خضعت لاعتبارات تتعلق بقيادة الجمهورية العربية اليمنية، التي كانت تعول على تعاون السلطات العوذلية معها, ولذلك لم يسمح لمجموعة دثينة بضرب مكيراس, ما صحة ذلك؟
- صحيح، لم يتمكن جيش التحرير في الجبهة الوسطى من ضرب المعسكر البريطاني في مكيراس. ويضاف ذلك إلى أسباب فشل الجبهة. وقد نوقش ذلك في المؤتمر الأول للجبهة القومية وفي الاجتماع الموسع الذي عقد للشباب قبل انعقاد المؤتمر.
> مكيراس كانت مركزا معاديا لثورة سبتمبر؟
- لا. بيحان كانت المركز المعادي الأول. وعندما بدأنا بفتح الجبهات كانت مكيراس توازيها.
> كان هناك صراع بين الجمهوريين والملكيين في الشمال، وكانت توجد تحالفات بين الملكيين والبريطانيين، وهذا ربما خلق تعاونا استخباراتيا لضربكم وضرب الثورة في الشمال؟
- الحرب كانت ممتدة. وعندما يفكر الواحد منّا الآن بالموقف العدائي للسلطة في الشمال للثورة في الجنوب، في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا والملكيين يستعدون لفتح جبهات ضد ثورة سبتمبر، يستغرب. كان المفروض بالسلطة في الشمال أن تقف مع الثورة في الجنوب، لأن حريب ضربت بالطائرات البريطانية، وأيضاً مأرب، وقعطبة ضربت بالمدافع البريطانية من الضالع. بريطانيا كانت بدأت تعد العدة لمحاصرة الثورة في الشمال، وفي الوقت نفسه السلطة في الشمال موقفها عدائي من الثورة في الجنوب. شيء غريب أليس كذلك؟!
> بالنسبة لجبهة الصبيحة لماذا لم يتم افتتاحها قبل الجبهة الوسطى، علماً أن أغلب قادة الجبهة القومية كانوا من الصبيحة؟
- كان عندنا حساسية من تهم المناطقية.
> ألا يوجد سبب آخر؟
- لا.
> ألم يكن ذلك ناتجا عن انخراط عدد من أبناء الصبيحة بالجيش الاتحادي؟
- كان لنا صلة بهؤلاء وعدد كبير من أبناء الصبيحة. وكان بإمكاننا فتح جبهة الصبيحة أولاً، لكن نتيجة هذه الحساسية أجلناها "شوية", وكان لدينا مخطط بأن تكون جبهة الصبيحة أقوى من أي جبهة أخرى، وذلك لقربها من عدن، وقد افتتحناها في ديسمبر 64.
> قبل جبهة الصبيحة افتتحت جبهة عدن، متى كان ذلك؟ ومن هو أول قائد لها؟
- افتتحت جبهة عدن في أغسطس 64، وكان فيصل عبداللطيف قائداً لها. وقد أورد علي احمد السلامي في صحيفة "14 أكتوبر" بتاريخ 30 نوفمبر 1989 ما نصه: "في يونيو 64 خرجنا من عدن بأمر من حركة القوميين العرب وتفرغنا لقيادة الكفاح المسلح بتعز وكان فيصل عبداللطيف متفرغا لعدن. وعندما انكشف لحق بنا إلى تعز وتعين بعده عبدالفتاح اسماعيل. وفي يونيو 65 كان عبدالفتاح مريضا في تعز، وطلب المجلس التنفيذي نزولي إلى عدن، ونزلت بمهمتين: توسيع قيادة الجبهة القومية بإشراك عناصر من خارج حركة القوميين العرب وإسقاط حكومة عبدالقوي مكاوي".
> متى أدخلتم الأسلحة لجبهة عدن؟
- في يوليو 64 استلم المكتب العسكري بتعز الدفعة الثانية من الأسلحة المقدمة من المصريين والمخصصة لجبهة عدن وتم إنزالها في سيارتين لاندروفر تابعتين لجهاز المخابرات المصرية بتعز إلى منطقة الشريجة بلواء تعز. وكان الرائد أبو النصر مشالي من جهاز المخابرات المصرية وعبدالحميد الشعبي من المكتب العسكري التابع للجبهة القومية، ومعهما عبدالعزيز محمد سلام الذي وصل إلى مكتب الجبهة بتعز لاستلام تلك الأسلحة، هم من أوصلوها إلى الشريجة. وهناك كان في انتظارها محمد سعيد مصعبين وعلي جاحس ويوسف علي بن علي وفضل عبدالله ناصر، وشاركهم الشيخ أحمد صالح الرجاعي في إدخال الأسلحة إلى جبهة عدن عبر لحج على ظهور الجمال والحمير. وبعد إتمام عملية تحميل الجمال والحمير عدنا إلى تعز, الرائد أبو النصر مشالي وأنا.
> الأشخاص الذين كان يتم إرسالهم من عدن إلى تعز للتدريب من كان يختارهم وكيف كان يتم إيصالهم؟
- كان يرشحهم فيصل عبداللطيف، وكان يتم إيصالهم عبر كرش.
> كانوا يخرجون بشكل سري أم بصورة عادية؟
- بصورة سرية طبعاً على شكل دفعات سيراً على الأقدام.
> أثناء نقل الفدائيين إلى تعز أو نقل الأسلحة أو القيام بأي شكل من أشكال النشاط كنقل الرسائل مثلاً, كيف كانت الأجهزة الأمنية اليمنية أو المصرية تتعامل مع الجبهة القومية بهذا الخصوص، لاسيما وأنهم كانوا يرصدون الحدود؟
- كان في تسهيلات.
> لم تحدث مضايقات ولم يتم إلقاء القبض بالصدفة على حامل رسالة أو سلاح أو مجموعة متسللين؟
- كانت لنا علاقات بمهيوب عبدالله مدير الأمن بتعز، وسلطان القرشي نائبه، وكذا لنا علاقات شخصية مع عبدالواحد السياغي مدير المخابرات، وحسين العمري مدير المباحث العامة، وقد أسندت مهمة حل مشاكل أفراد جيش التحرير إليّ في المكتب العسكري.
> يعني كانت تحدث مشاكل؟
- كانت عناصر معينة من الأمن في تعز تقوم باحتجاز عناصر من الجبهة القومية عندما يصلون إلى تعز, وكنت أقوم بحلها بالتنسيق مع قيادات الأجهزة الأمنية اليمنية.
> لماذا كانت بريطانيا تراهن على عدم نجاح العمل العسكري بعدن؟
- كانت تراهن على صغر المنطقة وعدم وجود الأرض الصالحة للعمل العسكري الفدائي بعدن، لكن الفدائيين من جبهة عدن بقيادة فيصل عبداللطيف أثبتوا لبريطانيا والذين كانوا يراهنون على عدم قدرة صمود العمل العسكري في عدن لأيام، عكس ذلك تماماً؛ حيث انكشفت تلك المراهنات على حقيقتها بصمود الأبطال في شوارع عدن والذين استطاعوا انتزاع الجماهير من الجو النفسي الذي كانت تعيشه قبل بدء العمل الفدائي في مدينة عدن.
> بالنسبة لجبهة ردفان هل يمكن أن تذكر لنا أول دفعة من الفدائيين تم تدريبهم في تعز؟
- كانو 19 مقاتلاً، وهم: أحمد محمد عبد محلاي، سعيد صالح سالم، مثنى صالح ثابت، ثابت ناصر دبة، فضل علي سالم، فضل سالم حسين، صالح ثابت ناصر، عبدالله علي حسين، حسين عيدروس، عاطف احمد مثنى، قاسم عبدالله محسن، فضل عبدالكريم، محمد قاسم جيوب، راجح حسين صالح، محمد راجح ثابت، قاسم عبدالله سعيد، عثمان محمد نصر، علي مثنى أحمد، عمر حسن نصر.
> في منتصف ليلة الأحد تاريخ 1/11/1964 تحركت سيارة من تعز إلى الضالع وعليها 19 مقاتلا وقد تعرضت لانفجار لغم في الطريق، من هم الذين كانوا على متن السيارة؟ وماذا حدث بعد ذلك؟
- المقاتلون الذين كانوا على متن السيارة هم: عسكر شائف، صالح عسكر شائف، علي ناجي، صالح حسن، احمد حسن، علي صالح قاسم، قائد عبده، علي محمد الفقيه، احمد محمد شائع، محمد علي عبادي، علي احمد حسن، عبدالله مثنى علي، محسن محمد بن احمد، خالد محمد علي، مقبل الحاج، عبدالله احمد، طه صالح، مثنى حسين، علي محمد سعيد الاحمدي.
والذي حدث في طريق ماوية هو انفجار اللغم المزروع في السيارة والذي كان هدفه مناضلي جبهة الضالع، وذلك في تمام الساعة الخامسة من صباح الاثنين 2/11/1964 وأدى إلى وقوع 12 شهيدا و5 جرحى كانت جراحهم خطيرة ونجا اثنان وهما عسكر شائف وابنه صالح عسكر شائف، وقد سألت عنه قبل مدة وقيل لي أنه حي يرزق.
> في مساء 23 يوليو 64 شن جيش التحرير أول هجوم في جبهة الضالع على القاعدة البريطانية، لماذا اختير هذا اليوم؟ ومن قرر ذلك؟ ومن كان يقود جبهة الضالع؟
- أول عمليه فدائيه في جبهة الضالع وقعت في يوم الجمعة الموافق 19 فبراير1964 وقد أصدرت الجبهة القومية البلاغ رقم 5 أوضحت فيه أن قوات طلائع الجبهة قامت بهجوم مركز على قوات المضلات البريطانية في منطقة الضالع وتكبد العدو خسائر فادحة في العتاد والأرواح، منها نسف سيارة حربية مصفحة وقتل وجرح عدد كبير من قوات العدو. وكان شعار الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن "النصر أو الموت".
أما بالنسبة لقيادة جبهة الضالع كان يقود الجبهة: محمد احمد البيشي وعلي احمد ناصر عنتر وعلي شائع هادي. أما جبهة الشعيب فقد كان يقودها: صالح مصلح قاسم. وتم توحيد جبهة الضالع وجبهة الشعيب لاحقا في جبهة واحدة.
وقد استلمت رسالة من فيصل عبداللطيف الشعبي بتاريخ 23/6/1967 أشار فيها إلى أن الإخوة في الضالع يحاصرون قصر شعفل وأن جيش التحرير في جبهة الضالع والشعيب أنذروا الضابط السياسي (باكستون) وطلبوا منه المغادرة خلال نصف ساعهة وقذفوا في وجهه بأحد القيود التي كان الأحرار مكبلين بها، صارخين في وجهه: لتأخذ بريطانيا قيودها وعملاءها وترحل من أرضنا الطاهرة.
> لماذا اشتبك جيش التحرير في الضالع مع معسكرات جيش وشرطة الاتحاد العربي؟ وهل أثر ذلك على مكانة جبهة الضالع؟
- كانت الجبهة القومية حريصة على ألا تدخل في أي اشتباك مسلح مع الجيش العربي، لأنه كان لها تنظيم يعمل في وسط الجيش العربي وكانت له مساهمات فعالة في مدها بالأسلحة والذخيرة عندما انسحبت الجبهة القومية من جبهة التحرير وقطع عنها المال والسلاح الذي كانت تتلقاه من الجانب العربي.
> هل كانت تقرر رواتب معينة لأسر شهداء الجبهة القومية؟
- كانت الجبهة القومية تدفع معاشات شهرية لأسر الشهداء.
> حسب عبد الحميد عثمان فإن أول هجوم لجيش التحرير الشعبي في جبهة الصبيحة كان في 18 ابريل واستهدف معسكر العند, ما صحة ذلك؟
- جبهة الصبيحة افتتحت في ديسمبر 1964، وما قيل غير صحيح.
> عند نقل الأسلحة لجبهة الصبيحة من تعز حدثت واقعة مثيرة في الطريق, ممكن تذكرها؟
- بعد أن تم تدريب أفراد من جيش التحرير في معسكر صالة استلمت الجبهة القومية كمية من الأسلحة، وتم تسليم كل جندي من جبهة الصبيحة بندقية شرفا 303، وبدون ذخيرة، بسبب شجار حدث بين اثنين من الجنود. ثم تم نقل جميع الجنود على سيارات لاندروفر بعد العصر. وبعد صلاة المغرب وصلنا إلى الراهدة، وهناك فوجئنا برفض القائمين على "الخشبة" السماح لجيش التحرير والأسلحة بالمرور، وقيل لنا إن هناك تعليمات لديهم من أحد المسؤولين في الجمهورية العربية اليمنية. وكان ردنا: إذا لم يتم السماح لنا بالمرور فسنضطر إلى كسر الخشبة وسنمر بالقوة. وكان معنا من أفراد جنود جيش التحرير عبد القوي محمد شاهر وهو الآن شيخ مشايخ الصبيحة. بعدها تدخل حسن قايد القاضي، وكان موظفا في الجمهورية العربية اليمنية، وأقنع المسؤول عن الخشبة بضرورة مرور جيش التحرير، سمح لنا بالمرور. وبعد أن قطعنا خمسة كيلومترات أوقفنا السيارات وأنزلنا صناديق الذخيرة وأعطينا كل جندي 50 طلقة.
> هل ممكن نعرف معلومات أكثر عن حسن قايد القاضي؟
- هو شخصية وطنية، وكان عضوا في حركة القوميين العرب، وكان يعمل في جمارك الراهدة.
> كان هناك شخصيات متعاطفة مع الجبهة القومية، أمثال عبد الرحمن محمد علي عثمان نائب رئيس مجلس الرئاسة, والنعمان، والعمري، وآخرين، كانوا يريدون أن يدعموا الجبهة وتوفير التسهيلات أمامها؟
- نعم, ولكن لم يكن عندهم الإمكانات.
> هل ممكن تذكر لنا الأسباب التي كانت تدفع بعض الأطراف في الشمال للوقوف ضد الجبهة القومية، مع أن ذلك كما أشرت سابقا لا يخدم الثورة والنظام الجمهوري في الشمال؟
- إلى الآن وبعد مرور أكثر من 40 عاما على الثورة لم أجد تفسيرا أو أي سبب مقنع. ولا أدري كيف كانوا يبررون لأنفسهم المواقف المتخاذلة.
> السلال كيف كان؟
- السلال وافق على فتح مكتب للجبهة القومية بصنعاء وأعطى تعليمات بذلك.
> يعني هل يمكن القول أن هؤلاء الذين كانوا ضدكم كانوا ضد عبد الناصر أيضا؟
- نعم.
> محمد علي الصماتي أو "الطلي"، يقول في شهاداته إنه استدعي من جبهة ردفان إلى تعز وكلف بفتح جبهة الصبيحة؟
- تم تكليف ثلاثة: سالم زين محمد، ومحمد علي الصماتي، وثابت علي مكسر.
> طبق التقرير التقييمي لجبهة الصبيحة المقدم للمؤتمر الأول للجبهة القومية فإن جبهة الصبيحة فتحت لغرض تنفيذ فكرة شمول المعركة كل الجنوب رغم عدم وجود أهداف انجليزية لضربها. وقد انتقد التقرير عدم حزم قيادة الجبهة وعدم الانضباط، وفرار بعض رجال القبائل, كيف تفسر هذه الاختلالات رغم الحرص الذي عبرت عنه سابقا؟
- حددت قيادة الجبهة القومية مهاما لقيادة جبهة الصبيحة لتنفيذها، ومنها القيام بعملية نوعية حددت تكاليفها بمبلغ 600 ريال يمني، وكان ذلك المبلغ حينها كبيرا، وهذه العملية يعرفها علي احمد ناصر السلامي. لكن قيادة الجبهة لم تقم بتنفيذ تلك العملية، بل انسحبت بعد أيام من الموقع المحدد لها في جبل "خلاقة" إلى داخل الأراضي اليمنية، وبالتحديد إلى وادي الهجر القريب من الراهدة بلواء تعز، دون أخذ الموافقة بالانسحاب من قيادة الجبهة القومية، الأمر الذي أدى إلى سحب سالم زين وتوجيه اللوم له بسبب ذلك الانسحاب.
وعرف فيما بعد أن سبب عدم تنفيذ العملية النوعية وانسحاب جيش التحرير كان بإيعاز من الجيب التنظيمي المزروع في الجبهة القومية لإظهار عدم مقدرة الجبهة القومية على ضبط الأمور، وحدث ذلك بعد تعثر الجبهة الوسطى.
> التقرير أيضا أشار إلى أن الجبهة خسرت مركزا لها في جبل خلاقة، ما أدى إلى تأثيرات سلبية على المعنويات, ما أهمية هذا الموقع؟ وماذا فعلت الجبهة القومية لتدارك الآثار السلبية لخسارته؟
- كان مركز خلاقة يتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة، وكانت الجبهة القومية تنظر إليه على أساس أنه انتصار لها, لذلك وبعد خسارة الموقع رأت الجبهة أنه لا بد من وضع تخطيط جديد لجبهة الصبيحة. وهذا ما حدث.
> لماذا كان موقف الدقم سلبيا من الطلي؟
- موقف الرائد محمد احمد الدقم لم يكن سلبيا من محمد علي الصماتي (الطلي)، فقد كان الرائد الدقم يمزح معي عندما قال إنه سيقطع للطلي شواربه. وأيضا لم يكن موقفه سلبيا من الجبهة القومية، فقد التحقت المجاميع التي كانت معه بالجبهة القومية ومنهم عبدالوهاب عثمان وعبدالحميد عثمان، ولم يعترض على التحاقهم بأسلحتهم التي هي في الأساس أسلحته.
> لماذا استطاعت الجبهة القومية تحييد سلطان الحواشب, وفشلت مع سلطان لحج؟
- سلطان الحواشب كان يدعى في أبين "الأمير الحافي"، كونه لا يوجد فرق بينه وبين المواطنين العاديين إلا كلمة "أمير", وبعض السلاطين كانوا شبه فقراء، وهذه حقيقة لا يمكن أن ينكرها أحد، باستثناء نشطاء الجيب التنظيمي المزروع في الجبهة القومية.
> في جبهة حواشب الغيل أخفقت الجبهة في إدارة الكفاح المسلح فيها. وحسب المراجع التاريخية فإن غياب الكوادر المؤهلة في الجبهة القومية أدى إلى الاعتماد على أمراء وقبائل, وهذا سبب عوائق أمام الجبهة، كيف تمت معالجة هذا الإخفاق؟
- أمراء الحواشب الذين اعتمدت عليهم الجبهة القومية عند فتح جبهة الحواشب هم من أفراد الشعب ولا عيب في ذلك طالما آمنوا بالنضال المسلح. ولكن الجيب التنظيمي المزروع هو الذي زرع الخلافات وعمل على "تطفيشهم"، كما سبق له أن "طفش" الرائد عيدروس حسين القاضي ممثل حزب الشعب الاشتراكي من اللجنة التحضيرية التي شكلت في صنعاء في فبراير 1963 برئاسة قحطان محمد الشعبي، وهو الذي كان ينزل الإشاعات في شوارع تعز.
> ترد في بعض المراجع مقولة أن الحزب الاشتراكي العربي كان واجهة سياسية للجبهة القومية في حضرموت, من كان يقود هذا الحزب؟ ومن المسؤول الأول عن جبهة حضرموت؟
- جبهة حضرموت كان لها وضع خاص، وكانت قيادة الجبهة القومية هي المسؤولة مباشرة عنها. وفي الاجتماعات الموسعة التي كانت تعقد لشباب الجبهة القومية المنتمين لحركة القوميين العرب وكان اثنان من قيادة الحركة في شمال اليمن يحضران تلك الاجتماعات هما عبدالرحمن محمد سعيد وعبدالقادر سعيد، لم يذكر أحد أن الحزب الاشتراكي العربي كان واجهة سياسية للجبهة القومية في حضرموت، وحتى لو كان ذلك صحيحا فقد كانت الظروف تحتم عدم التطرق إلى مثل هذه الأمور.
بالنسبة للمسؤول عن جبهة حضرموت لم نكن نعرفه, حتى قائد جبهة عدن في بداية العمل المسلح لم يكن أحد يدري أنه فيصل عبداللطيف الشعبي إلا بعد أن اكتشف وغادر عدن إلى تعز. وحتى نور الدين قاسم لم يكن معروفا أنه تولى مسؤولية القيادة لجبهة عدن بعد انكشاف فيصل الشعبي إلا بعد اعتقاله من قبل القوات البريطانية. وحتى عبدالفتاح إسماعيل لم يكن يعرف أنه ولي مسؤولية قيادة عدن إلا بعد وصوله إلى تعز بسبب مرض ألم به حسب قوله، وتكليف علي احمد السلامي بالنزول إلى عدن. تلك الأمور كانت سريه للغاية والذي كان مطلعا على ذلك هم قلة

صـفـحـــــات مـن الـــــتاريـخ ( 5- 18

عبدالحميد الشعبي - عضو المكتب العسكري للجبهة القومية: (الحلقة الخامسة) الشيخ سالم الحميقاني قام بدور فاعل في إفشال مخطط نقل أسلحة إلى جبهة ردفان


* انفجر لغم من سيارة كان يعتقد أنني وطه مقبل على متنها، وفي المساء تم قصف دار الضيافة في البيضاء
* اصدرت حركة القوميين العرب قراراً بتفريغ عدد من أعضائها وكان طه مقبل وعلي السلامي أول الواصلين إلى تعز
* دخل أحد الجواسيس من جيبوتي إلى تعز فاتصلت بمهيوب عبدالله فقال لي: «نحن الآن نحقق معه»
* أبلغني قحطان الشعبي أن عبدالناصر طلب مقابلته ليخبره بأنه تلقى تقريراً استخبارياً يفيد بأنني تلفظت بعبارات تسيئ للمخابرات المصرية
حوار: سامي غالب - باسم الشعبي

> بعد عودة قحطان الشعبي من القاهرة في مايو 1963، وافتتاح مكتب الجبهة القومية في تعز، ذكرت أنه تم تفريغ عدد من أعضاء حركة القوميين العرب واستدعاء آخرين من عدن للقدوم إلى تعز؟
- لما وصلنا قحطان الشعبي وأنا من القاهرة إلى تعز صدرت تعليمات من حركة القوميين العرب على أساس تفريغ عدد من قيادات وأعضاء الحركة واستقدام آخرين إلى تعز. كان أول القادمين من عدن علي أحمد ناصر السلامي وطه أحمد مقبل، و ذلك في الأسبوع الأول من يونيو 1964. ونزلا في فندق الوحدة. وكان سالم زين محمد ومحمد علي الصماتي وبخيت مليط و حسين عبده عبدالله وأحمد حاجب في تعز، وفي 3يونيو1964 تم افتتاح مكتب للجبهة القومية في تعز. ثم توالى وصول آخرين إلى تعز، ومن هؤلاء محمد علي هيثم وعبدالباري قاسم وأبو بكر شفيق وسالم ربيع علي وعلي ناصر محمد في أوائل شهر يوليو 64، ثم وصل محمد سعيد مصعبين وناصر صدح في الأسبوع الأول من شهر أغسطس 64، ووصل علي محمد سالم الشعبي في 26 اغسطس 64.
> بعد أن تم فتح مكتب الجبهة بتعز كيف توزعت المهام؟
- في مكتب الجبهة القومية بتعز تشكلت خمسة مكاتب، المكتب السياسي ويضم قحطان الشعبي، وفيصل عبداللطيف، وسيف أحمد الضالعي. والمكتب العسكري وأعضاؤه: طه أحمد مقبل، وعبدالحميد الشعبي، وناصر صدح (لاحقاً)، وبعد عدة أشهر انضم أحمد مهدي المنتصر إلى المكتب العسكري. مكتب الأمن وأعضاؤه: علي محمد سالم الشعبي، وأحمد حاجب، وصالح عبدالله المجعلي. والمكتب المالي واعضاؤه: علي السلامي، ومحمد سعيد مصعبين، وبعد عدة أشهر انضم إليهم سالم ربيع علي. ومكتب الإعلام وأعضاؤه: سالم زين محمد، وعبدالباري قاسم، وجعفر علي عوض، وحسين عبده عبدالله، ومحمد مرشد عباد.
> ألم تكن أنت المسؤول الأول عن المكتب العسكري؟
- كان طه مقبل المسؤول الأول.
> يعني أنت نائبه؟
- ما كنش في حاجة إسمها نائب.
> هل كان طه مقبل خريج كلية الشرطة وبالتالي اختير مسؤولاً عن المكتب العسكري؟
- أبداً كان مدنياً ويعمل في مكتب الاتصالات بعدن.
> كان أصله عدني؟
- هو من عدن، لكن أصله دبعي.
> كان أكبر منك سناً؟
- كان يكبرني سناً.
> ربما كان أقدم منك في حركة القوميين العرب؟
- لا. أنا أقدم منه.
> كيف كانت علاقتك الشخصية به؟
- في الفترة الأولى كانت علاقتي به كويسة جداً.
> تحدثت ايضاً عن تدريب أول دفعة من جيش التحرير والفدائيين، أين كانت تتم عملية التدريب؟ وهل ممكن تذكر لنا الأسماء؟
- في نهاية شهر يونيو 1964، وصلت إلى تعز أول دفعة من فدائيي جبهة عدن، وجرى تدريبهم في معسكر صالة الذي كان قصراً للإمام أحمد بن يحيى حميد الدين. كان عددهم 38 فدائياً ثم تم إضافة فدائيين إلى المجموعة تم تدريبهم في نفس المكان مع أفراد جيش تحرير جبهة الصبيحة ليصبحوا 40 فدائياً لجبهة عدن وقد تخرجوا في 28/11/64، وهم:

> ماذا عن الهيكل التنظيمي للجبهة القومية؟
- في البداية كان يتكون من المكاتب الخمسة المذكورة آنفاً، وفي المؤتمر الأول للجبهة القومية، المنعقد في 22 يونيو 65 بمدينة تعز، قدم للمؤتمر مشروع الميثاق الوطني ونبذة قصيرة عن تشكيل المجلس الوطني لقيادة الثورة على أن يكون أعلى سلطة في الجبهة القومية ويتولى إقرار النظام الداخلي وله الحق في تعديل الميثاق والبت بشأن الدخول في مفاوضات مع المستعمر ومدته عام واحد للدورة الواحدة، وتؤخذ قراراته بالأغلبية (ثلثي الحاضرين) ويجتمع كل أربعة أشهر و في الظروف الإستثنائية ينعقد بدعوة من نصف الاعضاء أو بدعوة من المجلس التنفيذي ويتكون من:
- المجلس التنفيذي.
- ممثل عن المناطق التي يدور بها قتال.
- ممثل عن التنظيمات الداخلية.
ويتكون المجلس التنفيذي من: الأمانة العامة، والمكتب العسكري، والمكتب المالي، ومكتب التنظيم الشعبي.
> كيف كنتم تحصلون على السلاح قبل أن تصلكم أول دفعة سلاح من الجانب المصري في 9يونيو1964؟
- منذ اندلاع الثورة في جبال ردفان يوم 14 اكتوبر 63 لم تستلم الجبهة القومية أية مساعدة سواء أكانت سلاح أو مال من أي جهة، وكان الاعتماد ينصب على ما يقدمه تنظيم حركة القوميين العرب في جنوب اليمن المحتل واستمر الوضع على هذا الحال حتى يوم 9/6/1964 حين استلمت الجبهة أول دفعة سلاح مقدمة من الجمهورية العربية المتحدة بناءً على تعليمات جمال عبدالناصر.
> وفرع الحركة في الشمال ماذا عن دوره في توفير الأسلحة؟
- فرع الحركة في الشمال، للأسف لم يساهم ولو بطلقة رصاص واحدة.
> المعروف أنكم أدخلتم أول دفعة من السلاح إلى جبهة ردفان، وحدثت واقعة مثيرة أشرحها لنا؟
- في 9 يونيو 64 غادرنا تعز، طه مقبل وأنا، وفي 10 يونيو وصلنا درب ذي ناعم بمحافظة البيضاء وفي 13 يونيو وبينما كانت أول دفعة من السلاح في طريقها إلى جبهة ردفان أخبرنا أحد أنصار الجبهة القومية في درب ذي ناعم بأن شخصاً نقل معلومات لعبدربه سالم الدماني (الشخص الذي وفر جمالاً وحميراً لنقل الأسلحة) مفادها أن القوات البريطانية علمت بتحرك القافلة التي تحمل الاسلحة لجبهة ردفان ونصبت لها كميناً في الطريق فاستأجر الدماني سيارة ليحلق بالقافلة لإعادتها.
> من هو عبدربه سالم الدماني؟
- هذا شيخ من شبوة كانت الجبهة القومية أستأجرت منه 127 جملاً وحماراً لنقل الأسلحة إلى ردفان وكان مع القافلة ابنه وعدد من أقاربه.
> ما الذي حدث بعد ذلك؟
- طلبت من الرائد أبو النصر مشالي وهو ضابط في المخابرات المصرية كان معنا في الرحلة، توفير سيارة لاندروفر لي لألحق بعبدربه الدماني قبل أن يصل إلى القافلة. وتحركت برفقة الملازم علي محمد الهلالي وهو من أبناء شبوة ويعمل ضابطاً في الجيش اليمني.
ولحقنا الدماني في منزل الشيخ سالم عبدالقوي الحميقاني الذي بذل جهداً في إقناع الدماني بأن المعلومات عن الكمين غير صحيحة، ونحن أيضاً أخبرنا الدماني بأن الشخص الذي زوده بالمعلومات جاء إلينا يريد بندقية، وحين رفضنا طلبه ذهب وأخبره بمعلومات خاطئة. وأخبرناه أيضاً بأن القافلة يحرسها 250 مقاتلاً من أبناء ردفان والمنطقة الوسطى وقد أقنعناه بالعدول عن موقفه.
> الشيخ الحميقاني كان دوره إيجابياً؟
- لعب دوراً إيجابياً معنا لإقناع الدماني، وواصلت القافلة طريقها إلى ردفان.
> طبعاً أنتم دفعتم فلوس للشيخ الدماني، هل تذكر المبلغ؟
- لا أتذكر، لأن المخابرات المصرية هي التي دفعت.
> إلى أبو النصر مشالي من كان معكم من المصريين؟
- كان معنا جمال حمدي وهو صحفي، وقد أستأجرنا له حمار، ودخل مع أول كمية من السلاح إلى ردفان.
> هل تعرفه؟
- كنا في الرحلة مع بعض.
> هو صحفي أصلاً؟
- هو صحفي متعاون مع المخابرات.
> كان الهدف من وجوده تغطية الكفاح المسلح لأسباب دعائية ضد الإنجليز؟
- قرأت له مقابلة قبل سنتين بالغ «شوية» فيها.
> هو كتب تقارير وقصص عن الأحداث وله أيضاً كتاب؟
- لم أقرأ الكتاب قرأت مقابلة معه في إحدى الصحف قبل عامين، وعموماً هناك أشخاص عديدون يبالغون في أدوارهم.
> هل كنتم تحسون أن ضباط المخابرات المصرية مجرد موظفين يخدمون السلطة أو كانت لديهم توجهات وأفكار قومية عربية ومقتنعين بعدالة قضيتكم؟
- في الشهور الأولى كنا نشعر أنهم يؤدون واجباً، لكن فيما بعد بدأنا ندرك أن بعضهم مش مقتنع بوجود حاجه اسمها كفاح مسلح.
> ألم تكن فكرة القومية العربية ودور عبدالناصر كزعامة عربية، موثرة عليهم؟
- هم كضباط لا يستطيعون مخالفة تعليمات عبدالناصر لكن بعضهم كانوا يميلون إلى توجهات صلاح نصر.
> كانت هناك حرب استخباراتية كبيرة في اليمن، فإلى المخابرات البريطانية دار صراع سعودي- مصري في الشمال، فضلاً عن إيران والاردن وامريكا. وهذا يدل على إمكانية وجود اختراقات، كيف كنتم تتعاملون مع هذه الاختراقات؟ وهل سبق وأن اكتشفتم عملاء مندسين يتعاملون مع جهات أخرى على الجبهة القومية؟
- هذا يقع ضمن اختصاص مكتب الأمن في الجبهة القومية. وفعلاً تم اكتشاف بعض العناصر وكان لنا اتصالات بإخواننا في الأجهزة الأمنية بتعز. وكان مهيوب عبدالله يدير الأمن في تعز، سلطان القرشي نائبه. كانت تربطني بهما علاقات جيدة كما كانت تربطني علاقات بحسين العمري مدير المخابرات العامة بتعز. وكنا نتبادل المعلومات وكانوا متعاطفين مع الجبهة القومية.
> ممكن تذكر لنا واقعة تم اكتشاف عميل فيها أو مندس؟
- في إحدى المرات دخل أحد الجواسيس من جيبوتي إلى تعز ونحن كشفناه، وقمت بالاتصال بمهيوب عبدالله وقال لي: نحن الآن نحقق معه.
> الجاسوس يمني؟
- نعم يمني.
> كان يعمل لصالح البريطانيين؟
- نعم.
> هل وافوكم بنتائج التحقيق؟
- كان في بيننا ثقة ما نسألش عن النتائج.
> من حقكم تعرفوا كي تتجنبوا الاختراقات؟
- نحن عارفين القصد، ومادام هذا الشخص مع جهة مختصة خلاص.
> من أجل أن تعرفوا طبيعة تكتيكات هذه الجهات؟
- نحن عارفين.
> أنت حينها ومن دون تواضع كنت تقوم بدور كبير وخطير للغاية: أولاً تنسق مع المخابرات المصرية لنقل الأسلحة واستجلاب فدائيين وتدريبهم، وكذا قيامك بوقاية الجبهة القومية من أية اختراقات، وكنت تمثل الجبهة في لقاءات مهمة للغاية من بينها تلك المتصلة بالمخابرات المصرية وأية جهات لها صلة بنشاط الجبهة القومية؟
- بالنسبة لحماية الجبهة من الاختراقات فقد كانت من مسؤولية مكتب الأمن.
> ولكنك كنت تهتم بالموضوع؟
- أتابعه شخصياً، وبالنسبة للأمور الأخرى كانت هذه طبيعة عملنا في المكتب العسكري.
> كيف كنت تؤمن نفسك وهناك حرب استخباراتية ضدكم؟
- في تعز كان الأمر عادياً. كنت أسكن بمفردي ومن دون حراسة، حتى فيصل عبداللطيف لما كان يأتي إلى تعز كان يسكن معي.
> هل صحيح أن قحطان الشعبي أبلغك أن عبدالناصر أطلعه على تقرير من المخابرات المصرية ينسب لك توجيه إساءات للمخابرات في تعز؟
- نعم أخبرني قحطان أن عبدالناصر طلب مقابلته واخبره أنه تلقى تقريراً من جهاز المخابرات يقول إن عبدالحميد الشعبي تلفظ بعبارات تسيئ لجهاز المخابرات في تعز.وعندما وصل قحطان إلى تعز سألني عما حدث فأخبرته بوصول 50 مقاتلاً من جبهة ردفان بينهم المناضلة دعرة بنت سعد إلى المكتب العسكري بتعز، فأخذتهم إلى معسكر صالة لتدريبهم، لكن معسكر التدريب رفض قبولهم بحجة أن لديه تعليمات من القيادة العربية لجهاز المخابرات، وبعد أن استأجرت لهم مكاناً ينامون فيه، توجهت إلى جهاز المخابرات ودار بيني وبينهم نقاش حاد حول رفضهم قبول 50 مقاتلاً من جبهة ردفان بينما قبلوا 200 مقاتل من منظمة التحرير. وجهت لهم نقداً، لا أكثر ولا أقل، ولم تكن هناك أية إساءات كما ذكر التقرير.
> في 20 يونيو 1964 انفجر لغم في البيضاء، وقُتل شخص وأصيب آخرون، هل كان ذلك حدثاً عادياً أم مدبراً؟
- انفجر اللغم في السوادية لواء البيضاء في سيارة. أصيبت السيارة بأضرار بالغة وأدى اللغم إلى مقتل شخص وإصابة عدد آخر. كنا طه أحمد مقبل وأنا. المستهدفين من تفجير اللغم؛ حيث كان مقرراً سفرنا إلى تعز صباح ذلك اليوم لكننا لم نسافر. وفي مساء اليوم نفسه جرى قصف دار الضيافة بلواء البيضاء في استهداف واضح لنا، لكننا كنا قد غادرنا درب ذي ناعم على متن مروحية عسكرية للمخابرات المصرية قبل غروب الشمس عائدين إلى مكتب الجبهة بتعز.
> قبل مغادرتكم البيضاء إلى تعز كانت هناك أسلحة مخصصة للجبهة الوسطى وكان هناك رأيان حول طريقة إدخالها إلى الجبهة؟
- كان رأيي هو إدخال الأسلحة إلى الجبهة الوسطى على دفعتين وهناك يتم توزيع الأسلحة على المقاتلين، والرأي الآخر كان رأي طه أحمد مقبل وناصر السقاف، هو توزيع الأسلحة في درب ذي ناعم على المقاتلين الذين سيتم إحضارهم. كانت قيادة المنطقة الوسطى تتكون من: محمد علي هيثم، وناصر علوي السقاف، وعلي ناصر محمد. تقرر الأخذ بالرأي الثاني، وقد وصلت إلى درب ذي ناعم مجاميع من أبناء المنطقة الوسطى وتم تسليح كل فرد بندقية شرفا عيار 303 وخمسين طلقة ذخيرة، وتم نقلهم ليلاً على سيارات تابعة للمخابرات المصرية من درب ذي ناعم بلواء البيضاء إلى حدود مكيراس.
> لكن حدث خلاف لاحقاً؟
- لم يحدث خلاف. ما حدث هو أن أغلب الذين سلحناهم هربوا، وكثيرون منهم عادوا إلى البيضاء بدلاً من دخول المنطقة الوسطى، وباعوا السلاح والذخيرة التي استلموها من الجبهة القومية.
> وهذا أصابكم بخيبة أمل؟
- أنا شخصياً كنت أتوقع ما حدث.
> كيف؟
- عندما تم إحضار الأشخاص إلى درب ذي ناعم في المنطقة الوسطى كان بينهم أفراد مسلحون، ففرزت المسلحين على جنب وغير المسلحين على جنب وقمت بإعطاء السلاح لغير المسلحين والذين معهم أسلحة اخبرناهم بأننا سنعطيهم ذخيرة، لكنهم رفضوا وقالوا: «نحن نريد أسلحة مثل أصحابنا». ولما رفضت ذلك قالوا «إنهم لن يحاربوا بسلاحهم، فرديت عليهم: «انكم لن تحاربوا لنا بل للوطن ولأنفسكم» تدخل كل من علي ناصر محمد، وناصر علوي السقاف لإقناعي بمنحهم سلاحاً ونتيجة لهذا الإلحاح منحتهم سلاح. وكنت أسجل اسم المستلم، وكذا اسم البندقية، وكذا التوقيع بالبصمة بأنه استلم، وكنا نأخذهم بسيارات مصرية على أساس إيصالهم إلى الجبهة لكن أغلبهم كانوا يسبقونا بالعودة إلى البيضاء لبيع الأسلحة، وبعد شهر قدمت قيادة الجبهة الوسطى إلى تعز حاملة معها خلافاتها
1 - علي صالح علي، 2 - صالح محمد الجابري، 3 - خالد عبدالله قاسم، 4 - صلاح الدين عبدالرحمن، 5 - أحمد علي العلواني، 6 - علوي سالم مصوعي، 7 - عوض أحمد عوض، 8 - عبدالكافي محمد عثمان، 9 - سالم صالح باجيع، 10 - السيد عبدالله علوي، 11 - حسين علي الصغير، 12 - عبدالله محمد الهيثمي، 13 - أحمد محمد محوري، 14 - أبو بكر شفيق، 15 - أحمد محمد سعيد، 16 عبدربه علي خضيري، 17 - علي عوض أحمد، 18 - عبدالرب علي محمد، 19- فضل محسن عبدالله، 20 - فضل عبدالله عوض، 21 - مهيوب علي غالب (عبود)، 22 - أحمد ناصر السعيدي، 23 - فارس سالم وتيح، 24 - عبدالله أحمد الخامري، 25 - حسين الجابري، 26 - أحمد صالح محمد، 27 - علي محمد مقبل، 28 - عبدالعزيز عبدالولي ناشر، 29- علي عمر حسن، 30 - علي محضار قاسم، 31 - علي حفيظ صالح، 32 - عبدالله محمد حفيظ، 33 - محمد صالح عبدالله، 34 - عمر قاسم فضل، 35 - عبده هزاع، 36 - صالح عبدالله باقيس، 37 - سعيد عمر بن شملان، 38 - خالد أبو بكر باراس، 39 - سلام أحمد عبدالله، 40 - علي بن أحمد عبدالله.والشخصان الأخيران تم تدريبهم مع جيش تحرير الصبيحة.

صـفـحـــــات مـن الـــــتاريـخ ( 4- 18

عبدالحميد الشعبي - عضو المكتب العسكري للجبهة القومية: (الحلقة الرابعة) فتحت الجبهة القومية مكتباً مستقلاً في تعز فغضبت المخابرات المصري


* محمد علي باشراحيل أبدى اهتماماً بالحصول على مقالات هيكل
* في مايو 64 زار قحطان القاهرة وعاد بتوجيهات صريحة من عبدالناصر لدعم الثورة في الجنوب
* أقمنا، قحطان وأنا، في غرفتين بدار السعادة، وقد استغربت عندما قيل لنا أن الدار هو قصر الإمام البدر
حوار: سامي غالب - باسم الشعبي

> في 24 فبراير 1963 انعقد لقاء موسع لأبناء الجنوب في صنعاء، دعا إليه قحطان الشعبي مستشار رئاسة الجمهورية لشؤون الجنوب، ما أبرز نتائج هذا الاجتماع؟
- كان قحطان حريصاً على توحيد القوى الوطنية في جبهة لتحرير جنوب اليمن المحتل. وقد دعا إلى اجتماع تشاوري في صنعاء حضره نحو الف من أبناء الجنوب المتواجدين في الشمال. كان المشاركون يتوزعون على أعضاء من حركة القوميين العرب وحزب الشعب الاشتراكي، ومستقلين، والمئات من رجال القبائل والجنود والضباط. استقر رأي المجتمعين على تشكيل لجنة تحضيرية تتولى الاعداد لمشروع «ميثاق وطني» يصدر في نداء موجه إلى القوى الوطنية من أجل تشكيل «جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل».
> ممن تشكلت اللجنة؟
- من 11 عضواً. إلى جانب قحطان الشعبي الذي اختير لرئاستها، ضمت اللجنة كلاً من: ناصر علوي السقاف، محمد عبدالله المجعلي، الرائد محمد أحمد الدقم، الرائد عيدروس حسين القاضي (ممثلاً عن حزب الشعب)، محمد علي الصماتي، ثابت علي مكسر منصوري، بخيت مليط، أحمد عبدالله العولقي، علي محمد الكاظمي.
وقد توصلت اللجنة إلى مشروع ميثاق وطني في مارس 1963، تمت إذاعته من إذاعتي القاهرة وصنعاء. لكن اثنين من أعضائها انسحبا، الأول هو عيدروس القاضي ممثل حزب الشعب الاشتراكي الذي رفض قيام جبهة، والرائد الدقم. وتقدم قحطان بمذكرة إلى السلال تطلب الموافقة على فتح مكتب للجبهة، وقد وافق السلال على الطلب، لكن مسؤولين آخرين من مؤيدي حزب الشعب في صنعاء عطلوا موافقة السلال. وقد عملت الجبهة من دون مكتب حتى 3 يونيو 1964.
> في يونيو 1963 تخرجت من كلية الشرطة، وعدت إلى عدن، حيث يقيم فيصل عبداللطيف. مالدور الذي كان يقوم به باعتباره المسؤول الأول عن الحركة في اليمن؟
- كان يجري اتصالات بأطراف وشخصيات عدة لغرض المساهمة في الكفاح المسحل. وبدرجة رئيسية كان يركز على حزب الشعب الاشتراكي الذي كان وجوده قوياً في عدن. وبالطبع تواصل مع عبدالله باذيب الذي كان على علاقة قوية بفيصل، وأبدى مساندته للكفاح المسلح. كما وقف بقوة مع الجبهة القومية عندما فرض المصريون الدمج القسري في 13 يناير 1966، وهو أول من وصف عملية الدمج، بالمؤامرة على الثورة.
> وفيما يخص الصحافة النشطة في عدن، وكذا المثقفين؟
- حرص فيصل على الاتصال بجميع الشرائح. كما التقى محمد علي باشراحيل أكثر من مرة. في مطلع 1964 رافقت فيصل في زيارة إلى باشراحيل في بيته بخليج الرزميت- كريتر. لم يكن العمل الفدائي في عدن قد بدأ، ولم تكن الجبهة القومية قد فتحت مكتباً لها في تعز. جرى حديث عام، وقد تم التطرق إلى مقالات محمد حسنين هيكل التي يكتبها كل جمعة في الأهرام تحت عنوان «بصراحة». لم تكن «الاهرام» تصل بانتظام إلى عدن. وقد أبدى باشراحيل اهتمامه بالحصول على نسخ من مقالات هيكل، فأخبرته بأنني احتفظ بنسخ من سلسلة مقالات هيكل. فيصل قال له: سأخذ النسخ من عبدالحميد وسأوصلهن إليك. فرد باشراحيل: تمام، أنا سأقراها ثم أعيدها إليك. عندما أكون في عدن كنت أقيم في بيت فيصل بالشيخ عثمان. كانت المقالات في شنطتي، وقد سلمتها لفيصل، الذي سلمها بدوره إلى باشراحيل. بعدها سافرت إلى القاهرة، ولم أسأل فيصل ما إذا كان باشراحيل قد أعاد المقالات إليه.
> ماذا جرى في اللقاء، هل تطرق فيصل في اللقاء إلى الكفاح المسلح؟
- نعم، وكان باشراحيل مؤيداً للفكرة، كانت علاقتهما جيدة، وكانت صحيفة الأيام منفتحه على الحركة والجبهة، وكذلك كانت صحيفة الأمل التي يرأسها عبدالله باذيب.
> مع ذلك فإن الجبهة القومية بعد أن بدأت الكفاح المسلح، وفتحت جبهات عديدة، وجهت في ديسمبر 1964 انذاراً إلى ما وصفتها بـــ«الصحف العميلة» من مغبة الاستمرار في محاولة الطعن في النضال الشعبي، معتبرة تعاون هذه الصحف مع الاستعمار خيانة وطنية. من كنتم تقصدون؟
- لم يكن المقصود صحيفة «الأيام» أو صحيفة «الأمل»، بل صحف أخرى، لا أرى فائدة من ذكرها الآن، وبوسعك العودة إلى الكتب التي تناولت تلك الفترة.
> هل من الممكن اعتبار أية صحف عدا صحيفتي «الأيام» و«الامل»، هي المعنية من الإنذار؟
- ممكن.
> وماذا بخصوص صحيفة «الطريق»؟
- كانت مؤيدة لنا، وقد صدرت لاحقاً.
> وكيف كانت مواقف الشخصيات الأدبية والفنية؟
- لم تنضم إلى الجبهة، لكن أشخاص مثل الأديب عبدالله هادي سبيت والفنانين محمد مرشد ناجي وأحمد بن أحمد قاسم كانوا أصحاب توجهات وطنية.
> إلى جانب فيصل في عدن من هي الشخصيات المؤثرة التي دفعت باتجاه الكفاح المسلح؟
- سيف أحمد الضالعي وعلي أحمد السلامي كان دروهما قوياً ومؤثراً.
> في مايو 1964، غادرت عدن إلى القاهرة في نفس الوقت الذي كان قحطان يزورها لماذا؟
- القيادة القومية لحركة القوميين العرب (جورج حبش وآخرون) نسقوا للقاء قحطان مع عبدالناصر، بعد الخطاب الشهير الذي ألتقاه في تعز في ابريل 1964. وقد حملني فيصل رسالة خطية إلى قحطان.
> ماذا كان فحواها؟
- لم أطلع عليها فقد كانت داخل ظرف.
> أنت ضابط شرطة ولديك من المهارات ما يمكنك من فتحها دون أن يعلن أحد؟
- لم أفتحها. وقد سلمت الرسالة إلى قحطان في القاهرة. وقد أمضيت هناك أسبوعاً رفقة قحطان.
> كيف كانت معنوياته بعد لقائه عبدالناصر؟
- كان قد التقى عبدالناصر قبل وصولي إلى القاهرة. كانت معنوياته عالية لأنه خرج من لقائه بعبدالناصر بتوجيهات صريحة بدعم الثورة المسلحة في الجنوب. وبعد أسبوع عدت مع قحطان إلى الشمال، عبر طائرة انتينوف. كان معنا في الطائرة ضباط مصريون. وقد هبطت الطائرة في مطار الحديدة. واتذكر جيداً لحظة وصولنا. نزلت إلى المدرج وبقي هو في مدخل الطائرة لكي يناولني حقائب السفر. ثم انتقلنا إلى طائرة مدنية لتقلنا إلى صنعاء. في صنعاء تم توفير غرفتين وحمام في دار السعادة. استغربت عندما قيل لنا إن هذا قصر الإمام البدر، فقد كان المكان عادياً والغرف بسيطة. بعدها غادرنا إلى تعز، حيث أقمنا في دار الضيافة، وبدأ التحضير لفتح مكتب للجبهة والترتيب الجدي للثورة المسلحة.
> ماذا كانت حصيلة زيارة القاهرة؟
- كان الاتفاق مع الرئيس جمال عبدالناصر على التالي:



> كيف جرت الأمور في تعز؟
- بدأ قحطان فور وصوله تعز بمطالبة المسؤولين في المكتب العربي بتعز بتنفيذ توجيهات عبدالناصر والتزاماته. لكن عزت سليمان بدأ بوضع العراقيل، والشروط. أبلغه قحطان أن الجبهة ستفتتح مكتباً في تعز لكن المكتب العربي رفض الفكرة، وماطل في تنفيذ الاتفاق. غضب قحطان، وأصر على فتح المكتب، وكان يقول: «طالما عبدالناصر وافق بانفتح مكتب». كان عبدالرحمن محمد سعيد القيادي في المرتبة القيادية في الشمال قد تولى استئجار بيت في عصيفرة. وتم افتتاح المكتب دون إشعار المخابرات المصرية.في نفس اليوم الذي تم فيه فتح المكتب، بعث عزت سليمان برسالة مكتوبة إلى قحطان يطلبه إلى الاجتماع في مقر المخابرات المصرية في تعز. في الخامسة مساء كان قحطان في المكان ومعه علي السلاَّمي وطه مقبل وسالم زين وأنا. ومن المخابرات المصرية كان الحاضرين العميد عزت سليمان والرائد فخري عامر والرائد أبو النصر مشالي. تحدث سليمان بعجرفة، وقال إن مصر لا تحبذ أن يكون للجبهة مكتب خاص بها، وأن مكتب الأمن العام- أي المخابرات المصرية- يتسع للجميع. وأضاف بأن لا يوجد أي مبرر لفتح ملفين لقضية واحدة (ثورة الجنوب)، ملف في مكتب الأمن العام وآخر في مكتب الجبهة القومية، لأن ذلك سيزيد من الأعباء المالية. وتابع: سيكون في المكتب الواحد شخصان، واحد منا والآخر منكم. رفض قحطان مقترح سليمان، ورد بأن قيادة الجبهة القومية اتخذت قراراً بفتح مكتب مستقل. كان الوحيد الذي تحدث من جانب قيادة الجبهة.
> كيف تصف عزت سليمان؟
- متعجرف. وكان فخري عام، وابو النصر مشالي على النقيض منه. ربطتنا بهما علاقة جيدة واحترام. أما عزت سليمان والآخرون فقد كانوا يتعاملون معنا باستعلاء، ويتصرفون باعتبارهم «حاجة ثانية» وانت لا شيء.
> فخري عامر كان من أسرة عبدالحكيم عامر؟
- نعم، ولكنه كان شخصاً لطيفاً.
> هل كنتم تحسون بوجود تباينات بين ضباط المكتب العربي في تعز؟
- لا. كانوا يتصرفون ككتلة واحدة.
> أيحدث مثلاً أن يظهر لكم فخري عامر أو أبو النصر المشالي تعاطفاً عندما تتذمرون أو تشكون من سوء معاملة مدير المكتب العربي أو غيره من الضباط؟
- أبداً. لم نكن نشكو لهما من تصرفات زملائهما. تعاملنا مع المضايقات بطريقة عادية جداً وكنا نقول هذه اختلافات في طبائع البشر.
> ألم تقم صداقات وروابط شخصية جراء التواصل اليومي أو شبه اليومي بينكم وبين ضباط المكتب العربي؟
- ظلت علاقتنا بهم علاقة عمل، لا أكثر ولا أقل.
> بالتأكيد فإن اصرار الجبهة على فتح مكتب خاص بها أعتبره المكتب العربي إهانة؟
- صحيح. من كان يجرؤ حينها على معارضة مخابرات صلاح نصر.
> ماذا بشأن المخصصات المالية والسلاح والتدريب؟
- اتخذ سليمان قراراً خلاف ما تم الاتفاق عليه. قلَّص المخصصات، وقرر دفع مبلغ 15 ريالاً شهرياً لجندي جيش التحرير، و60 ريالاً للمتفرغ العازب، و120 ريالاً للمتفرغ المتزوج. رفض توفير أي مبلغ للفدائي المتفرغ. وبخصوص السلاح، فقد تم تزويد جيش التحرير بأسوأ أنواع الاسلحة: بنادق شرفا عيار 303 انجليزية، وهي من مخلفات الجيش البريطاني في السويس، وأغلبها غير صالح للاستعمال. وبخصوص تدريب الفدائيين وجنود جيش التحرير فقد كان يتم لفترات قصيرة.
> في تلك الفترة أطلقت المخابرات المصرية عملية «صلاح الدين» لدعم الثورة في الجنوب، وتولى المكتب العربي تنفيذها، كنتم جزءاً من العملية؟
- بعد زيارة عبدالناصر إلى اليمن، أصدر توجيهاته إلى المخابرات المصرية بمساعدة الجبهة القومية. وقد تعاملنا معهم على أساس أن يسلمونا المرتبات والسلاح، ويتولون التدريب، من دون أن يتدخلوا في الشؤون الداخلية للجبهة. لكن المخابرات المصرية لم تتقبل ذلك، وكان هذا أبرز خلاف بيننا وبين عزت سليمان وبدأوا بمضايقتنا.
> قبل ذلك بنحو عام، وفي 29 يوليو 1963 أي بعد ثورة سبتمبر بـــ10 أشهر، صدر بيان عن حركة القوميين العرب فرع جنوب اليمن بشأن توصيات لجنة الامم المتحدة لتقصي الحقائق فيما يخص مستعمرة عدن والمحميات. تلك التوصيات كانت محل ترحيب الحركة، لكنها قالت في بيانها إن هذه التوصيات ليست كافية ودعت إلى جبهة قومية متحدة. هل كانت هذه أول إشارة علنية إلى نية الحركة القيام بثورة مسلحة؟
- لا. في عام 1961 الحركة حددت موقفها من الكفاح المسلح. وثيقة للحركة في ذلك العام تؤكد على الكفاح التحرري، باعتباره حلقة من نضال الامة العربية.
> ما قصدته إن بيان الحركة في 29 يوليو يشير إلى جبهة قومية متحدة بشكل صريح، في حين إن البيان السابق لا يشير إلى ذلك صراحة؟
- يوجد في البيان ما يفيد بأن الكفاح المسلح هو طريقنا.
> عموماً، لنتحدث عما لحق بيان 1963، إذ يُذكر دائماً إن الجبهة القومية نشأت في أغسطس 1963؟
- كما أشرت سابقاً فان كياناً أسمي بالجبهة نشأ في مارس 1963، بعد جهود من قحطان.
> حدثنا عن هذه التشكيلات أو الفصائل، هل كانت حقيقية، ولها حضور على الأرض، إذْ يطرح أن حركة القوميين العرب كانت مهيمنة على الهيكل التنظيمي للجبهة وعملياً لم يكن هناك غيرها بل مجاميع صغيرة كانت تحركها؟
- لم يكن للحركة هيمنة على الضباط والجنود الذين كانوا موجودين في الشمال ولا على تشكيل القبائل، ولا على الجبهة الناصرية.
> ماذا كانت تعني الجبهة الناصرية أو حجمها؟
- أبو بكر شفيق كان يقودها، وكان متأثراً بعبدالناصر، ونحن تأثرنا بعبدالناصر وكنا نحبه.
> كم كان قوام هذه الجبهة إلى جانب شفيق؟
- لا استطيع شخصياً أن أقول كم كان عددهم، أو أدعي أنني أعرف عددهم بالضبط.
> وماذا عن الفصائل الأخرى؟
- المنظمة الثورية، وكان يقودهم عبدالقادر أمين. أما جبهة الاصلاح اليافعية فقد كان مسؤولاً عنها عناصر من حركة القوميين العرب.
> ماذا عن التشكيل السري للضباط الأحرار؟
- كان هناك بخيت مليط، ثابت علي مكسر، وآخرون.
> من كان موجوداً معكم في مايو ويونيو 1964 في تعز؟
- إلى جانب قحطان الشعبي، ناصر السقاف ومحمد عبدالله المجعلي وأنا. المجعلي بعد استشهاد لبوزة، كلفه قحطان بدعم ثوار ردفان.
لبوزة غادر إلى ردفان في مهمة استطلاعية وليس لتفجير الثورة. عندما استفزوه حدث ماحدث. والجبهة أعلنت 14 أكتوبر يوم تفجير الثورة ولم يكن ذلك مقرراً.
> ولكن في الوثائق المصرية بدأت عملية صلاح الدين في وقت أبكر؟
- المصريون هم أسموا العملية صلاح الدين، ولم يكن لدينا علاقة بذلك.
> مالمهام التي أوكلت إليك؟
- مهمتي في المرحلة الأولى كانت استقبال الفدائيين والمرسلين من عدن وغيرها للانضمام إلى جيش التحرير والعمل على إيصالهم إلى معسكر التدريب في صالة، واستلام الاسلحة من المخابرات المصرية، والتنسيق مع جهاز الأمن اليمني في تعز.
> كيف كان يتم الترتيب لنقل المتدربين من عدن والمحميات إلى تعز؟
- يتم إرسالهم من عدن كمجموعة، ويكون هناك شخص داخل المجموعة معروف لدينا، يتولى موافاتنا بالأسماء.
> من كان يتولى إرسالهم؟
- فيصل عبداللطيف كان يرسل من عدن، ومن جبهة الضالع كان محمد البيشي وعلي أحمد ناصر عنتر. ومن ردفان بليل بن راجح، سعيد صالح سالم، الجوبحي. وعندما أدخلنا أول شحنة سلاح أرسلوا 250 مقاتل من ردفان لتأمين نقلها.
> ماذا عن جهة الصبيحة؟
- كان لها ترتيب خاص لقربها من عدن.
> وحضرموت؟
- في المناطق التي لم يكن فيها قواعد عسكرية أو تواجد كثيف للبريطانيين كان العمل فيها شعبياً وليس عسكرياً. في الجبهة الوسطى، على سبيل المثال، كان هناك تواجد بريطاني محدود في مكيراس. كانت توجد قوات اتحادية (عرب) في أبين، وعندما ضربت هذه القوات حدث تذمر شعبي، وتم وقف أية عمليات ضد هذه القوات. وسبب تعثر المنطقة الوسطى لاحقاً هو عدم وجود قوات بريطانية، فضلاً عن التنافس على القيادة بين ناصر السقاف ومحمد علي هيثم وعلي ناصر.
> هل كانت مهامكم في المكتب العسكري تقتصر على التدريب ونقل المتدربين إلى الجهات أم تشمل ترشيح القيادات الميدانية في جبهات القتال؟
- كنا نكتفي بالتدريب والإرسال، وتتولى القيادات في الداخل توزيعهم. مع الآيام بدأت تترسخ فكرة الكفاح المسلح رغم سوء الأسلحة التي وفرها المصريون. وكان المتدربين في البداية من أعضاء حركة القوميين العرب، ثم بدأنا نتوسع في التدريب مع رجال القبائل ومن المتطوعين من خارج الحركة، ومع التوسع بدأ المكتب العربي (المصري في تعز) بالتخريب علينا. أول مجموعة أرسلت في يوليو 1964 من عدن وكانوا 38 شخصاً. وحينها بدأ أول صدام مع المخابرات المصرية إذ طلبوا قائمة بالأسماء، ولكني زودتهم بأسماء مزيفة، وعندما علموا لاحقاً بذلك غضبوا بشدة. كنت لا أريد أن يعرفوا بالاسماء لأن هؤلاء فدائيون.
> من كان يتولى التدريب؟
- ضباط مصريون. وكان لهؤلاء علاقة بالمخابرات. ولم يكن هذا معيباً.
> هل وجدت حساسيات مناطقية حينها؟
- لم تكن ملحوظة. ولكن المكتب العربي بدأ بتحريض أبناء ردفان ضد المجعلي.
> أليس من الغريب أن يحرضوا ضد المجعلي الذي كان قريباً منهم، وأسس لاحقاً التنظيم الشعبي للقوى الثورية بدعم منهم؟
- فيما بعد حدث ذلك. لكن المجعلي حضر المؤتمر الأول للجبهة القومية ممثلاً للجبهة الوسطى، رغم أنه كان في ردفان.
1 - تدفع الجمهورية العربية المتحدة (مصر) 18 الف جنية استرليني شهرياً للجبهة القومية، لصرفها رواتب جنود جيش التحرير وللفدائيين وللمتفرغين. 2 - تدريب الفدائيين وجيش التحرير. 3 - تسليح جيش التحرير والفدائيين.

صـفـحـــــات مـن الـــــتاريـخ ( 3- 18


عبدالحميد الشعبي - عضو المكتب العسكري للجبهة القومية : (الحلقة الثالثة) السلال أيد وآخرون عارضوا فتح مكتب للجبهة القومية في اليمن


* في 1 فبراير 68 حدث أول صدام بين فيصل عبداللطيف وسلطان أحمد عمر بعد خروج الثاني على قرار القيادة العامة
* تم تكليف الصماتي بقيادة جبهة الصبيحة، فغضب الدقم وقال: سأقطع له شواربه
* الرابطة زرعت عناصرها في الأحزاب الجنوبية، ولا أستبعد أن تكون اخترقت حركة القوميين العرب

حوار: سامي غالب - باسم الشعبي
في هذه الحلقة يتحدث عبدالحميد الشعبي -عضو المكتب العسكري للجبهة القومية- عن الأجواء التي سبقت إعلان الكفاح المسلح في الجنوب اليمني، والتعقيدات التي رافقت التحضيرات لفتح مكتب الجبهة في الشمال.

> في مطلع الستينيات كانت النخبة السياسية في عدن والمحميات ترفض فكرة الكفاح المسلح، وتتعامل مع خيارات سياسية مطروحة وتعتمد وسائل نضال سلمية لكنكم في حركة القوميين العرب، ومعظمكم شباب في العشرينات مدفوعين بالمد القومي العربي وأفكار الكفاح المسلح ضد الاستعمار، يلهمكم النموذجان الجزائري والفيتنامي، وفيما يبدو من وثائق وبيانات الحركة فإنكم كنتم تصدرون عن حالة يقين بنجاعة الفكرة وإمكان دحر بريطانيا بالقوة.
- نعم. كان لدينا يقين بأننا سنتمكن من تحرير بلدنا. كنا واثقين إلى حد الغرور، انطلاقاً من أن معنا سند هو عبدالناصر. ولولا مساعدة عبدالناصر لكانت الجبهة القومية انتهت في يوليو 1964، لأنه خلال الفترة من 14 أكتوبر 1963 إلى 3 يونيو 1964، لم تتلق الجبهة أية مساعدات. وإذا رصدت بيانات الجبهة خلال تلك الفترة وحللتها ستقتنع بهذا.
> هل كان فرع حركة القوميين العرب في اليمن قبل 1963، موحداً؟
- في القاهرة كان موحداً. لكن في اليمن، وجدت مرتبة قيادية في الجنوب يرأسها فيصل عبداللطيف وتضم علي أحمد ناصر السلامي، طه أحمد مقبل، سالم، زين علي عبدالعليم، علي محمد سلامي ومرتبة قيادية في الشمال يرأسها سلطان أحمد عمر وتضم يحيى الإرياني، عبدالحافظ قائد، عبدالرحمن سعيد، عبدالقادر سعيد. وعندما اندمجت المرتبتان في قيادة موحدة لإقليم اليمن كانت القيادة لفيصل والنائب سلطان.
> كيف كانت العلاقة بينهما؟
- كانت علاقات فيصل ممتازة بالجميع. كانت علاقته ممتازة بعلي أحمد ناصر السلاَّمي، وعبدالحافظ قايد، وعبدالفتاح اسماعيل، وكذلك كانت علاقته بسلطان أحمد عمر، ولكن بعد الاستقلال حصل إشكال ثم مكاشفة بينهما. سلطان حدد تاريخ 1 فبراير 1968 لاجتماع قيادات الأحياء في عدن لانتخاب المجلس الشعبي في عدن دون معرفة فيصل. عندما عرف فيصل دعا القيادة العامة لاجتماع عاجل في اليوم السابق على الاجتماع، وطُرح الموضوع للنقاش، واتخذ قرار بتكليف سلطان بإبلاغ قيادات الأحياء بتأجيل الاجتماع. القرار أتخذ بالاجماع ولم يعترض عليه أحد، بمن فيهم سلطان. لكن سلطان ذهب إلى الاجتماع، ولم ينفذ التكليف، وحصلت ملاسنة بين فيصل وسلطان أمام أعضاء التنظيم، ما تسبب بصدمة لدى الأعضاء. في 19 مارس حدث ماحدث: الجيش تحرك ومعه فدائيون وتم اعتقال سلطان وعبدالفتاح وآخرين. هؤلاء اعتبروا أن خطوة الجيش تمت بالتنسيق مع قحطان وفيصل. والثابت أنه لولا قحطان وفيصل ما غادر هؤلاء السجن، خلاف ما ورد في رسالتهم.
> تريد أن تقول أنه في ذلك اليوم حدث أول صدام بينهما؟
- نعم. صحيح حدثت خلافات بينهما في السابق، خصوصاً بسبب تعاون سلطان، كما عبدالفتاح وعبدالحافظ قايد، مع المصريين. لكن فيصل كان يختلق ذرائع لهم، ويرد ذلك إلى حسن نواياهم وحماستهم، وأحياناً إلى تفهمه الضغط والبطش الذي مارسه فتحي الديب ورجاله في اليمن.
> من كان معكم من حضرموت في الحلقات الأولى للحركة؟
- حيدر العطاس، وكان مايزال طالباً، وعلي سالم البيض، خالد باراس، حسن باقيس. الحركة كان لها وجود في كل انحاء الجنوب بما فيها المهرة.
> قرار الكفاح المسلح هل صدر عن القيادة الموحدة؟
- قحطان وفيصل تبنوا الموضوع والآخرين وافقوا.
> كيف كنتم تنظرون للأطراف المنخرطة في العملية السياسية في عدن والمحميات، كما أرى كان هناك حدة في التعاطي معهم كما يرد في بياناتكم، وترد تعبيرات قاسية بحق الأطراف الأخرى، وإدانة وتحقير للشخصيات والأحزاب التي تشتغل على الهوية العدنية (جمعية العدنيين) والجنوبية (رابطة أبناء الجنوب)، حتى أن أحد البيانات يختتم بعبارة: وسحقاً لدعاة الشخصية العدنية والشخصية الجنوبية الباهتتين، والمجد للشعب.
- هذا كان في فترة محددة. ولكن لاحقاً كانت لغة بيانات الحركة والجبهة متعقلة. فيصل كان يربط الموقف من هؤلاء بتعاونهم من عدمه بالاستعمار.
> كيف كنت تنظر أنت عبدالحميد الشعبي لشخصيات مثل محمد علي الجفري وباهارون ومكاوي؟
- كان في تعبئة ضد هؤلاء. لكن من عام 1964 وما فوق لم يكن هناك تعبئة. أنا لم أكن أعرف باهارون ولا عبدالقوي مكاوي. لكن سأتحدث عن الرابطة. في الصبيحة كان أغلب أبنائها منحازين للرابطة. عندما نزلت في نوفمبر 1965 لقيادة جبهة الصبيحة، علي بن علي الشكري مسؤول الرابطة، أتصل بي، قدم لي قائمة تضم 80 شخصاً من أعضاء الرابطة يطلبون الانضمام للجبهة القومية،، وبعدها وزع مهدي عثمان مصفري بياناً يندد بهؤلاء، وصفني فيه الأسد الذي التهم الأثوار الثلاثة. لم يكن هناك أي حزب ينافس الرابطة، وحركة القوميين العرب هي من بدأ ينافسها لاحقاً. بعد 30 سنة اعترف مصفري بأن الرابطة كانت تزرع أعضائها في كل الأحزاب. ولا أستبعد أن الرابطة زرعت أعضاء في الحركة. وفيما يخص الجبهة القومية حدث أن أعضاء من الرابطة انخرطوا في الجبهة ثم غادروها ثم التحقوا مجدداً بالجبهة. كانت علاقة قحطان ممتازة بمحمد علي الجفري، لكن بعد 58 اختلف الأمر؟
> هل حصلت صدامات في الصبيحة بين الحركة والرابطة قبل الكفاح المسلح؟
- لا. وحتى بين الرابطة والجبهة القومية لم تحصل.
> كيف كانت نظرتكم لعدن كمدينة سكانها من منابع مختلفة؟
- لم تكن لدينا نظرة سلبية تجاه أية فئة. وحتى في العضوية في الحركة كانت معاييرنا موضوعية، ولم تكن العضوية قائمة على أساس القرابة.
> هل كان هناك فصيل آخر يشاطركم فكرة الكفاح المسلح؟
- لا. كانت تحدث انتفاضات قبلية. الرابطة حاولت دعم بعضها، لكن لم يكن يوجد طرف يسندها.
> وكذلك لم يكن هناك كتاب أو مثقفين أو منابر غير حزبية تؤيد فكرة الكفاح المسلح؟
- حسب علمي لا يوجد.
> هل كان هناك من أعضاء الحركة في كلية الشرطة في مصر أو كليات حربية؟
- كنت الوحيد في كلية الشرطة، ولاحقاً التحق آخرون مثل أحمد سالم عبيد (من الوهط) الذي التحق بالكلية الحربية. بعد اعلان الكفاح المسلح تم إرسال أعضاء للتدريب العسكري إلى القاهرة مثل علي ناصر محمد وعلي سالم البيض. وتم إلحاق أعضاء آخرين بالكلية الحربية في صنعاء في الفترة من أكتوبر 1963 وحتى نوفمبر 1965. كنت الوحيد المتخرج من كلية شرطة، لكني شخصياً لم أكن أشعر بأنني متميز بذلك على الآخرين.
> تخرجت من كلية الشرطة في يونيو 1963، وعدت إلى لحج، هل عدت لغرض الاستقرار؟
- عدت في ظل فكرة انخراطنا في التحضير لثورة مسلحة، لذلك لم أتقدم للحصول على وظيفة، ولم اتقدم بطلب إلى سلطنة لحج للحصول على وظيفة. في أوائل 1964 كانت السلطة في صنعاء وقيادة القوات المصرية ما يزالون يرفضون مساعدة الجبهة القومية، والجبهة القومية لم تكن لتستطيع الاستمرار في الكفاح المسلح من دون مساعدة صنعاء أو مصر لاحقاً وصلت موافقة عبدالناصر على دعم الثورة في الجنوب.
> ذلك كان إثر زيارته إلى اليمن في إبريل 1964؟
- نعم، وألقى خطابه الشهير في مدينة تعز والذي قال فيه: كنت أقول لثوار الجنوب انتظروا... انتظروا، ولا تستعجلون قيام الثورة، لكننا الآن سنمد ايدينا إليهم، وسنقدم لهم كل ما يطلبونه. جاءت الموافقة فانتقلت أنا من عدن إلى القاهرة، وكان قحطان الشعبي هناك، ثم تحركنا، قحطان وأنا، إلى صنعاء، ثم إلى تعز حيث نزلنا في دار الضيافة في العُرضي. وأصدرت حركة القوميين العرب توجيهات لأعضائها للتفرغ. وبدأ بعض الأعضاء يتوافدون على تعز، مثل علي احمد ناصر السلامي وطه مقبل، ولحق بهم آخرون.
> خلال حركتك في تلك الأيام كنت لصيقاً بقحطان الشعبي؟
- بالطبع فنحن من أسرة واحدة، وكان لدينا مشروع يجمعنا.
> كيف كان يتصرف قحطان، وهل كان غاضباً في تلك الفترة بسبب عدم تجاوب القاهرة وصنعاء؟
- عندما وصل إلى صنعاء، حاول قدر الإمكان أن يجمع التيارات الوطنية في الجنوب في جبهة وطنية. ونسق لاجتماع حضره أكثر من ألف شخص في دار السعادة في صنعاء في فبراير 1963. ثم شكلت لجنة تحضيرية لصياغة ميثاق وطني. وبعدها حرر قحطان مذكرة إلى المشير السلال يطلب فيها الموافقة على فتح مكتب للجبهة في صنعاء. ووافق السلال، لكن آخرين عطلوا موافقة السلال.
> من هؤلاء الآخرون؟
- عرفنا من قحطان أن هناك في السلطة من عطَّل موافقة السلال، لكننا لم نسأله عن الشخص أو الأشخاص الذين عطلوا الموافقة، واستمر التعطيل قرابة سنة، حتى جاء الفرج من عبدالناصر. يقال إن المخابرات المصرية مدوا المساعدات من أول يوم، وهذا كلام غير صحيح، والوقائع تؤكد ذلك، وكذلك خطاب عبدالناصر في ابريل 1964.
> في تلك اللحظة الفارقة، كانت الحرب دائرة في الشمال بين الجمهوريين والملكيين، وهناك الآلاف من الشباب انخرطوا في الحرس الوطني للدفاع عن الثورة، من مختلف انحاء اليمن، بينهم من عدن والمحميات؟
- بعضهم تواجد في الشمال قبل ثورة سبتمبر، مثل المقدم محمد أحمد الدقم وهو من أبناء الصبيحة، هرب إلى الشمال قبل قيام ثورة سبتمبر، لأنه كان ينوي تفجير ثورة في الجنوب.
> هل كان قومياً عربياً؟
- كان وطنياً، وكان ضابطاً في جيش سلطنة لحج، ثم عمل ضابطاً في الجيش بالشمال. كان يكبرنا بحدود 10 أو 15 سنه.
> لكننا لم نقرأ عنه من قبل، أين توارى؟
- كان يتطلع إلى قيادة الثورة، خصوصاً وأن له الأقدمية. قحطان كان ينفر من أي شخص له تطلعات شخصية ونحن في مرحلة ثورة. وصراحة فإن ابتعاده عن الجبهة القومية مثَّل خسارة كبيرة لنا.
> مالذي حصل بالضبط؟
- كان من الأشخاص الأوائل الذي دعوا إلى الثورة، لكن طموحه الزائد حال دون أن يتفاهم قحطان معه، على الرغم من أنهما من منطقة واحدة، ويعرفان بعض جيداً. بقي في تعز، وعندما فتحنا جبهة الصبيحة، وأدخلنا جيش التحرير إليها في 1964، رجعت إلى تعز، والتقيته في حوض الأشراف، وقال لي كلمة مازلت حتى الآن أذكرها حرفياً، قال: «خليتم الطلي (قاصداً محمد علي الصماتي وهو من أبناء الصبيحة) قائداً، إن كان ما أخليه يجي لما عندكم بلا شوارب، ساقطع له شواربه». كان يرى أن نعطيه هو الأولوية لقيادة المنطقة. كانت علاقتي به طيبة وقد حاولت اقناعه بتعديل موقفه، لكنه تشبث بموقفه، وقال لي: ستذكر موقفي، وهذا الشخص لن ينفعكم. كان صاحب شخصية قوية، وشجاعاً.
> هل كنت تقابله في فترات لاحقة؟
- كنت التقيه صدفة، وفي إحدى المرات نقل لي أحد الأشخاص رسالة منه فحواها إن سمع اليوم ضباطاً شماليين، وهو كان ضابطاً في الجيش الشمالي، يقولون سنقتل عبدالحميد الشعبي. وقد انتفض في وجههم قائلاً: إذا قتلتم عبدالحميد الشعبي، فلن يقنعنا قتل 100 شخصاً منكم.
> كان يودك؟
- كان يوجد احترام بيننا، حتى من قبل أن يغادر إلى الشمال، فنحن من أبناء منطقة واحدة، ونعرف بعض جيداً.
> دعني أسألك عما إذا كان هناك آخرون مثل «الدقم»، تعرف إن الإمام أحمد مطلع الخمسينات كان في إطار صراعه مع البريطانيين يدعم بعض السلاطين والوجاهات، والشخصيات بالمال والسلاح.
- هذا كلام غير صحيح. كان يمدُّ ببعض الثوار الذين يفرُّون إلى الشمال ببعض المساعدات ليومين أو ثلاث، ثم يتفق مع البريطانيين ويطلب منهم التزام الهدوء.
> لكن في أكثر من كتاب قرأت أن الإمام كان يقوم بدعم مناهضين للانجليز. وآخر كتاب قرأته لانجرامز يرد فيه أن الإمام عبر عامله في البيضاء (الشامي الذي يصفه بالداهية) كان يحرِّض القبائل في شبوة ويافع وأبين على مناهضة الانجليز، ويزودهم بالسلاح.
- هذا كلام غير دقيق. كان أبناء الجنوب عندما يتأثرون من سياسات الاحتلال البريطانيين هم الذين يقومون بثورات. وكان الإمام يساعدهم لفترات محددة ويزودهم بكميات محدودة من السلاح. كانت الانتفاضات تقوم ثم لا تلبث أن تُخمد لأنها لا تجد المساعدة الكافية من الإمام أحمد.
> طبيعي لأن امكانات الجيش اليمني (المتوكلي) محدودة فنياً، خلاف الوضع بعد ثورة الشمال، حيث بني جيش أفضل، وكانت هناك القوات المصرية وحركات تحرر في العالم كله، وهذا كله وفًّر أرضية لإسناد حقيقي ومؤثر.
- مع ذلك، وإذا قرأنا الأمور بموضوعية، يكون من الواضح أن الإمام أحمد لم يكن يساعد ثوار الجنوب إلا لغرض معين ولفترة محدودة جداً. لو مدَّها بالمال والسلاح لكانت تلك الثورات استمرت.
> على أية حال فإن نظامه لم يكن النظام الذي يدفع أبناء الجنوب إلى اللجوء إليه؟
- إذا كانت الجبهة القومية في ظل النظام الجمهوري تعرضت لعداء سافر، وكانت ستخمد لولا أن عبدالناصر دعمها بالسلاح. هل من مصلحة سلطة صنعاء في ذلك الوقت (بعد ثورة سبتمبر) أن تتخذ موقفاً عدائياً من الثورة في الجنوب بينما واجبها كان مساعدة الثورة في الجنوب لأن الجمهورية الجديدة كانت تحارب الملكية في 40 جبهة، وكانت بريطانيا وفلول الملكية في الجنوب يعدون العدة لفتح عدة جبهات أخرى لمحاصرة الجمهورية، كان من مصلحتها هي فتح جبهة ضد الانجليز. أي عاقل يمكن أن يصدق أن سلطة صنعاء رفضت مساعدة الجبهة القومية؟ عبدالناصر أعلن موقفه لدعم الجبهة، لأن الطيران البريطاني قصف مأرب وحريب، حتى أن المخابرات المصرية فتحت بشكل انفرادي جبهة في بيحان تحت إشراف أحد المشائخ في الشمال. وقد اعترضت الجبهة القومية على هذا السلوك من المصريين، لماذا تفتحون جبهة والجبهة القومية قد فتحت عدة جبهات، وجرى حوار بين الجبهة والمخابرات المصرية التي اقتنعت وأوكلت للجبهة فتح جبهة في بيحان.

صـفـحـــــات مـن الـــــتاريـخ ( 2- 18

عبدالحميد الشعبي - عضو المكتب العسكري للجبهة القومية يروي تفاصيل مثيرة عن الكفاح المسلح في الجنوب: (الحلقة الثانية) حاولت استقطاب الأمير علي بن إبراهيم بن يحيى حميد الدين إلى الحركة لكنه غادر فجأة إلى أميركا


* المرتبة القيادية في الشمال قررت الانفصال عن القيادة الموحدة لليمن
* المكتب العربي في تعز أو عز لمؤيديه دعم عبدالفتاح إسماعيل لاستلام مكتب الأمن في الجبهة القومية
* سلطان أمين القرشي وعبدالواحد السياغي وعبدالله الحمدي وأنا، بعثنا برقية إلى السلال عارضين التطوع للدفاع عن ثورة سبتمبر، فجاءنا الرد من وزير الداخلية المصري

حوار: سامي غالب - باسم الشعبي

في الحلقة الأولى تحدث عبدالحميد عبدالعزيز الشعبي عن نشأته الأولى، ودراسته في المدرسة المحسنية في لحج، ومدرسة النهضة في الشيخ عثمان، ثم التحاقه بمدرسة حلوان في مصر لإكمال تعليمه الثانوي. وفي هذه الحلقة يتطرق إلى علاقته بزملائه اليمنيين في حلوان وكلية الشرطة في القاهرة، مبرزاً جوانب شخصية لافتة لدى بعض زملائه، وكذا في شخصية قحطان الشعبي أول رئيس يمني جنوبي بعد الاستقلال.

> مطهر الإرياني وعبدالله محمد نعمان، عبدالحافظ قائد، وكان هناك فلسطينيون وأردنيون، وآخرون، هؤلاء كانوا معاً في أول حلقة، أين كنتم تجتمعون؟
- في شقق محددة.
> في حلوان أم في القاهرة؟
- في القاهرة. كنت الوحيد من حلوان أما البقية فكانوا في القاهرة.
> كنتم تجتمعون أسبوعياً، وبالطبع إما الخميس أو الجمعة؟
- نعم.
> من كان المسؤول عن الحلقة؟
- فيصل عبداللطيف. ثم لاحقاً كان ينوبه يحيى الإرياني.
> وسلطان أحمد عمر؟
- كان يتولى المسؤولية في فترة محددة: اجتماعين أو ثلاثة.
> كان يكبرك سناً؟
- نعم.
> كان قارئاً نهماً؟
- جميعهم كان يقرأ. وفي تلك الفترة المبكرة لم تكن قدراته في الكتابة ظاهرة.
> مالذي كان يميزه قياساً بغيره؟
- كان الجميع متقاربين ولم تكن المراتب القيادية تضفي ميزة لشخص على آخر.
> هل زملاؤك الذين قدموا معك من لحج أستقطبوا أيضاً للحركة؟
- استقطبنا بعضهم في حلوان، وكوَّنا لاحقاً خلايا في حلوان، ومن هؤلاء الدكتور حسين الكاف (الآن في المؤتمر الشعبي).
> في فبراير 1958 قامت الوحدة بين مصر وسوريا، وبالنسبة لك كيمني وعضو في حركة القوميين العرب، لا ر يب في أنك شعرت باقتراب تحقق حلم الوحدة العربية؟
- نعم، ما دامت سوريا انضمت إلى مصر، فقد شعرنا بأن الوحدة العربية قريبة بزعامة عبدالناصر.
> كان معكم في حلوان طلبة آخرون، بينهم أقارب للإمام أحمد؟
- أبناء أخيه ابراهيم كانوا يدرسون معنا في حلوان. أحدهما علي والآخر لا أتذكر اسمه. كانا يسكنان في شقة وكانت السفارة الامريكية منحت كلاً منهما سيارة خاصة. صباح أحد الأيام مرَّ علي بن ابراهيم عليَّ بسيارته، ليأخذني معه إلى القاهرة لحضور مهرجان شعبي دعا إليه جمال عبدالناصر. كانت علاقتي الشخصية بعلي قوية. كان يحرص على التواصل معي، وكان قريباً من توجهنا القومي، حتى في آرائه السياسية. كان مستاء من وضع شقيقته في صنعاء. أذكر أنه شكا من أن الإمام أحمد رفض تزويجها. فجأة غادر وشقيقه، وكذا عبدالكريم الإرياني إلى الولايات المتحدة الاميريكية. غادر الارياني فجأة رغم عضويته في حركة القوميين العرب.
> هل سافروا معاً، أم أن الارياني غادر لوحده!
- لا أدري. في تلك الفترة حصلت أزمة بين الامام احمد وعبدالناصر، وعلى ما يبدو فإن توجيهات من الإمام صدرت بمغادرتهم مصر. لم يكونوا قد أكملوا الثانوية، وقد غادروا فجأة. حتى أن علي بن ابراهيم لم يزرني ليودعني رغم علاقتي القوية به. كان الأمير علي قومياً. لم نكن نحس بالفوارق معه، كنت استلم نهاية كل شهر 2 جنية وهو أمير، لكني لم أحس بأي فرق معه.
> ألم يكن هذا يشوِّش عليكم؟
- لا. تعرف أن والده كان من الأحرار، وعلي كان يحمل توجهات قومية، وكنت أحاول استقطابه لكنه سافر فجأة.
> شعرت بالحزن لذلك؟
- عشت أحزاناً كثيرة، لكن الحزن الكبير حصل عندما قدم عبدالناصر، استقالته في 1967. ولأول مرة أبكي. كنت في الصبيحة.
> في 59-60 أنهيت الثانوية، وبعدها التحقت بكلية الشرطة، لماذا؟
- كنت أتطلع لدخول كلية الطب. وكان معدلي يسمح لي بدراسة الطب، لكن قيادة الحركة أوعزت لي بدخول كلية الشرطة.
> كانوا يرتبون لمرحلة قادمة، وبخاصة للكفاح المسلح؟
- كان التفكير حينها بضرورة البدء بكفاح مسلح في الجنوب.
> بالتأكيد التحق بالكلية يمنيون آخرون؟
- دخلنا في يوم واحدأربعة: عبدالواحد السياغي وسلطان أمين القرشي وعبدالله الحمدي وأنا.
> كانوا معك في حلوان؟
- لا. كنت أعرف سلطان من الشيخ عثمان، كان يدرس في المدرسة الحكومية رغم أنه لم يكن من مواليد عدن، ولكن على ما يبدو فإن أسرته تمكنت من استصدار «مخلقة» (شهادة ميلاد) عدنية.وكذلك فعل عبدالفتاح اسماعيل، الذي ولد في حيفان لكنه استصدر مخلقة باعتباره من مواليد التواهي، وحسب رواية سعيد الجناحي فإن عبدالفتاح أبلغه بأن الرفاق (في الحركة) طلبوا منه ذلك.
> وعموماً فإنك عرفت عبدالله الحمدي وعبدالواحد السياغي لأول مرة يوم دخولك كلية الشرطة؟
- نعم. وكنا في عنبر واحد، وفي أسرة متجاورة. سلطان أولاً، ثم أنا، ثم السياغي، واخيراً الحمدي. في اليوم الأول كان الاستقبال قاسياً، كان الغرض هو نقلك، بالشعور والجهد العضلي، من الحالة المدنية إلى الحالة العسكرية، كانت التدريبات قاسية. كان السياغي مجهداً، وكان يردد كلمة «هيا ما قالوا». كان ينطقها على طريقة الإخوان في الشمال، مضيفاً عبارات متذمرة، وكنت غالباً ما أداعبه قائلاً: هيا ما قالوا؟
> أكنتم تشعرون بتمايزات فيما بينكم، هل كان لديك إحساس بأن زملاءك القادمين من صنعاء وذمار وغيرها من مناطق الشمال فيهم جلافة أو غطرسة؟
- أبداً. لا يوجد تغطرس ولا جلافة ولا تمايز.
> ربما لأنهما من أبناء القضاة.
- ربما. لكنهما لم يخلقا أي انطباع بأنهما متميزان.
> هل كان عبدالله الحمدي منتمياً إلى حركة القوميين العرب؟
- لا. حسب علمي لم يكن عضواً في الحركة. وكنت أعرف أغلب أعضائها في مصر.
> وماذا عن عبدالواحد السياغي؟
- لم يكن عضواً في الحركة.
> في 26 سبتمبر قامت ثورة 26 سبتمبر، وكنتم حينها في كلية الشرطة، كيف تلقيتم الخبر؟
- اجتمعنا ووجهنا برقية إلى عبدالله السلال، نعرض تطوعنا للدفاع عن الثورة. لم يرد السلال علينا. وقد فوجئنا بالرد يأتي من وزير الداخلية المصرية، وفيه تطمين لنا بأن القوات المصرية الآن في اليمن لحماية الثورة، وما عليكم انتم إلا أن تواصلوا دراستكم. لم يضايقنا الرد، واعتبرناه الموقف الصحيح. لكننا استغربنا أن يأتي الرد من وزير الداخلية المصري.
> هل كان الحمدي أو السياغي يتحدثان إليك عن الأوضاع في الشمال قبل الثورة، ثم بعدها؟
- أبداً، لم نكن نجد فرصة للحديث أو الراحة إلا وقت الغدا أو قبل النوم.
> ولكن توجد إجازات دورية؟
- في الإجازات القصيرة لم يكن الوقت يسمح لنا بالتواصل، وبالكاد يكفي للعمل التنظيمي وحضور اجتماعات الحركة.
> بالنسبة لطالب كلية الشرطة، تعرف أن ضباط الشرطة والجيش حينها كانوا يستلهمون شخصية عبدالناصر، أو عبدالكريم قاسم، وآخرين، وبالضرورة فإن هذه النماذج كانت الدافع لاهتمام طلاب الكلية بالسياسة، وانخراطهم في أنشطة سياسية؟
- صحيح. لكننا لم نكن نجد الوقت الكافي.
> ماذا عن الميول السياسية لسلطان أمين القرشي؟
- لم أكن أعرف أنه منتم إلى حركة سياسية، في الواقع لم يمكن أحدنا يسأل الآخر عن انتمائه السياسي. كنت أعرفه من الشيخ عثمان، وحتى عندما كنت في حلوان وأزور القاهرة كنت أنزل في شقته.
> أكانت تظهر عليه ميول سياسية، تعرف أنه لاحقاً انتمى إلى البعث، ثم الطليعة الشعبية!
- لم يكن يظهر عليه ذلك.
> لنعد إلى حدث ثورة 26 سبتمبر؟
- كنا نعتبر أي تغيير في الشمال يخدم الجنوب. وبعد أن أتى الرد من وزير الداخلية أعدنا التفكير وتساءلنا ماذا بوسعنا أن نفعل هناك ونحن مجرد أربعة أشخاص.
> ومع ذلك كنتم تتشوقون لإنهاء الدراسة والعودة إلى اليمن؟
طبعاً، لأن الواحد منا يكرس جهده ووقته من أجل التخلص من الظلم والقهر في الشمال والجنوب.
> أين كان قحطان الشعبي لحظتها؟
- في القاهرة. وقد غادر لاحقاً إلى صنعاء.
> وفيصل عبداللطيف الشعبي؟
- كان يعمل في سلطنة لحج.
> هل كنت تعرف أن ضباطاً قوميين عرباً شاركوا في ثورة سبتمبر؟
- لا. ولم أسمع لاحقاً بذلك.
> كنت تعرف أن حركة القوميين العرب مؤيدة للثورة، والكثير من أعضائها انخرطوا في المقاومة الشعبية، والحرس الوطني؟
- هذا صحيح. أغلب الشباب كانوا مع الثورة، سواء من القوميين العرب أو من الأحزاب الأخرى.
> أنت كنت وقتها عضوا في حركة القوميين العرب التي كانت حركة قومية عربية علمانية...
- لم يكن هذا الوصف (علمانية) موجوداً.
> صحيح ولكن الحركة بطبيعتها علمانية، وتضم أعضاء مسلمين ومسيحيين، ومن مذاهب مختلفة. في القاهرة هل تعرفت على مسيحيين في الحركة؟
- لم نكن نسأل حينها عن ديانة هذا أو ذاك. حتى في مدرسة حلوان كان يوجد طلاب مصريون مسيحيون ولم يكن ذلك مثار تساؤل.
> من تتذكر من العرب الذين كانوا معكم؟
- ياسر عبدربه مثلاً. وكان شخصاً عادياً، ولم يكن يميز نفسه كما تراه الآن. كان المزاج العام مختلفاً حينها، ولم تكن المواقع القيادية ذات معنى شخصي. أذكر أننا، السلامي وأنا، قابلنا محسن إبراهيم في القاهرة عام 1963. لم يشعرنا الرجل بأنه يتميز عن الآخرين بشيء. كذلك قابلنا في نفس الفترة عبدالحميد السراج في منزله في مصر الجديدة، ولم نحس مطلقاً بأن الرجل الذي يجلس معنا هو ذاك الشخص القوي الذي كان يمسك بخيوط عديدة في سوريا.
> لماذا ذهبتم إلى السرَّاج؟
- كنت قد تخرجت من كلية الشرطة، وزرناه لغرض توفير دورات تدريبية ليمنيين لغرض الإعداد للكفاح المسلح. كنا نستعجل قيام ثورة مسلحة، حتى بعد عودتي إلى عدن اجتمع أعضاء الحركة في المنصورة وطرحت بإلحاح هذا المطلب قبل قيام ثورة 14 أكتوبر.
> حدثنا عن التراتبية التنظيمية في الحركة حينها وانتم في القاهرة؟
- حلقة في أسفل الهرم التنظيمي، ثم خلية، فخلية قيادية، فمرتبة، وهي عبارة عن شعبة وهي تعادل الفرع.
> هل استقطبت الحركة سواء في حلوان أو في القاهرة طلبة مصريين؟
- لا.
> لماذا؟
- لأننا نعتبر نشاطنا في مصر ينبغي ألاَّ ينصرف إلى المصريين لأن مصر تقود النضال العربي حينها.
> ربما أيضاً بسبب الوطنية المصرية القوية، ليس فقط القوميون العرب، بل البعث ايضاً، لم يستطع استقطاب أعضاء في مصر. كل الحركات القومية العربية التي نشأت في المشرق لم يكن لها امتداد في مصر.
- حسبما أعلم فإننا في الحركة كنا نستثني المصريين من نشاطنا الاستقطابي. وأكثر من ذلك فإن الحركة فكرت بعد قيام الوحدة المصرية السورية بحل نفسها.
> تقصد في سوريا؟
- بشكل عام، باعتبار أن المد الوحدوي بلغ ذروته.
> ماذا عن الطالبات، هناك طالبات عرب اُستقطبن إلى الحركة، لم يكن بينهن يمنيات وقتها؟
- تم استقطاب طالبات، ليس بينهن يمنيات. طالبات سوريات، وأردنيات وفلسطينيات، وكويتيات.
> هل تتذكر أسماء محددة؟
- كان معنا طالبة فلسطينية، ولكنني لا أتذكر اسمها.
> كيف كانت العلاقة بين الطلاب والطالبات داخل الحركة؟ وهل وجدت انشطة اجتماعية خارج العمل الحركي؟
- كنا نقوم برحلات إلى خارج القاهرة، وأحياناً إلى الأقصر. وأذكر أن حيدر أبو بكر العطاس فاز بيانصيب في أحد الأنشطة.
> ألم يكن البيض معه في نفس الفترة؟
- لا. البيض جاء فيما بعد في دورة عسكرية مع علي ناصر محمد.
> بعد مغادرة فيصل من كان يدير الخلية؟
- ياسر عبدربه، وكان المسؤول الأول للمجموعة التي تضمني.
> ومن كان المسؤول الأول في مصر؟
- لا أدري.
> أفهم من كلامك أن التسكين التنظيمي كان مشتركاً. يعني الخلية أو الحلقة تضم أعضاء من أقطار عربية مختلفة.
- نعم.
> ألم تكن هناك حساسيات قطرية، أنتم مثلاً من اليمن حيث التخلف أفدح؟
- لم نكن نشعر أبداً بأية فوارق. كان زملاؤنا الكويتيون ميسورين جداً، حتى أن أول كتاب طبع في القاهرة كان على نفقتهم.
> من تذكر منهم؟
- لا أذكر أحداً. لم تجمعني بهم خلية واحدة.
> كطلاب في خلية الشرطة، هل كنتم تحتكون بالطلاب المدنيين اليمنيين؟
- كنا نلتقي بهم وكانت لقاءاتنا في مقاهي، وبخاصة في ميدان التحرير.
> هل تبادلت رسائل مع فيصل الذي كان وقتها في عدن ولحج؟
- لا.
> في 28 سبتمبر وقع الانفصال بين مصروسوريا؟
- كان الانفصال صدمة كبيرة. كنا في شقة في العجوزة، وهي الشقة التي استأجرها قبلنا فيصل الشعبي بعد انتقاله من شقة جاردن سيتي. في ذلك المساء كنت مصدوماً، وكنت قد بدأت بعادة التدخين، نزلنا من الشقة، عبدالله محمد نعمان وأنا. فور مغادرتنا مدخل البناية بوغتنا بقحطان أمامنا، رمق قحطان السيجارة بين اصابعي، ثم قال بلغة أوامرية صارمة: إرم بالسجاير. قلت له: لا. كانت تلك المرة الأولى التي أقول له لا. كنت حزيناً بسبب الانفصال، كما اعتبرت أسلوبه إهانة لي أمام زميلي. غضب قحطان، وغادرنا.
> كان يعاملكم بروحية أب، وكان سلوكه معكم مطبوعاً بالأبوية.
- بالضبط. وقد شعر أن عبدالحميد خرج عن الطاعة.
> كم استمر غضبه؟
- لم يستمر، ففي اللقاء التالي لم يتطرق إلى الأمر، كما أنني دخنت أمامه لاحقاً بعد تخرجي من كلية الشرطة.
> ماذا عن العادات الأخرى؟
- لم أكن أتعاطى مشروبات روحية. في كازينو قصر النيل، كنا مجموعة من الاصدقاء، وكان قحطان يتردد على الكازينو في أوقات محددة، وأحياناً كنت أرافقه. إحدى الأمسيات طلب الآخرون بيرة وطلبت أنا شاي. وجلست متوتراً جداً. أشرب الشاي وألح على اصدقائي بضرورة الاسراع في الانتهاء من مشروباتهم. كنت متوتراً وأتوقع وصول قحطان في أي لحظة: إذا كان «قَلَبَ الدنيا» من أجل حبة سيجارة، فماذا يمكن أن يفعل إزاء البيرة أو الويسكي.
أذكر واقعة أخرى ليس لها صلة بقحطان. قمنا في كلية الشرطة برحلة إلى الأقصر. نزلنا في فندق، في الكافتيريا طلبت شاي والآخرون طلبوا بيرة. قُدِّم الشاي بإبريق، وقدِّمت البيرة للآخرين. لمحنا أحد مدرسينا في كلية الشرطة، وكان يدرسنا البحث الجنائي وفيه فصل عن سلوك ضابط البحث وأهمية أن يكون قدوة. تعمد المدرس أن يجلس قبالنا ويكتفي بمراقبتنا. كنت أشرب الشاي بانتشاء فيما لم يجرؤ أحد من شركائي في الطاولة أن يمد يده لشرب البيرة. بعد دقائق توسل لي أحدهم بأن أصب له كأس شاي. استمر الموقف ساعة ونص، وظلت قوارير البيرة سليمة. لم يشر المدرس لهذا الموقف لاحقاً، وهو قال إننا احترمناه ولم نشرب، وأخذ ذلك في الاعتبار.
> أبوية قحطان الصارمة كانت تدفعكم أحياناً إلى التمرد.
-نعم. ولكنه كان يضيق من الأخطاء والإهمال والتسيب. لاحقاً في تعز اتخذ قراراً بأن يعامل قادة المكتب التنفيذي للجبهة القومية كما الموظفين، لأنه استاء من الإهمال كان البعض ينام حتى الظهر رغم أنه مسؤول عن مكاتب ولجان. عندما لاحظ وضع المقر، قال لهم: «من بكرة احضروا في الـ8 صباحاً، سأتعامل معكم كموظفين». وفي فترة لاحقة استغلت المخابرات المصرية ذلك وبدأت بالتحريض ضد قحطان باعتباره متعجرفاً ومستبداً.
> ماذا عن علي محمد سالم الشعبي، إذْ يظهر اسمه باعتباره من مؤسسي رابطة أبناء الجنوب قبل أن يلتحق بحركة القوميين العرب ثم الجبهة القومية؟
- نعم، هو تسلم مسؤولية مكتب الأمن في الجبهة القومية في تعز. قبل ذلك عمل مدرساً في مدرسة جبل حديد، وهو تخرج من السودان مثل قحطان الشعبي. درس بعد ذلك في أبين ولحج.
> مالذي كان يميِّز شخصيته؟
- كان هادئاً وودوداً على العكس من قحطان ذي الشخصية الصارمة في جديتها. في عام 1965 بعد المؤتمر الأول للجبهة القومية علم بوجود مؤامرة تُحاك ضد الجبهة. المكتب العربي (المصري) في تعز شعر بأن علي الشعبي يعمل على متابعة خيوط المؤامرة. أوعز المكتب لمؤيدية داخل فرع الحركة في الشمال بالعمل على التخلص منه وبصراحة طُرح على سيف الضالعي أن يتبنى مقترح إحلاح عبدالفتاح اسماعيل محل علي محمد سالم في المكتب التنفيذي ثم مكتب الأمن. كان ضباط المكتب العربي يثقون بأن سيف الضالعي معهم. سيف الضالعي طرح للقيادة بأن الشباب يطالبون بتسليم مفتاح مكتب الأمن لعبدالفتاح، ورُفِض الطلب. وقد ضغط المكتب العربي لكي تعلن المرتبة القيادية لحركة القوميين العرب في الشمال انفصالها من القيادة الموحدة لفرع الحركة في اليمن.
> تقصد أن انفصال فرع الحركة في اليمن كان بمبادرة من المرتبة القيادية في الشمال وليس من الجنوب؟
- نعم. لكن الجهاز الدعائي بث شائعة بين شباب الحركة تفيد بأن فيصل عبداللطيف هو الذي دبَّر الانفصال. فيصل للأسف لم يبادر لتوضيح موقفه. وبصراحة لم يكن هناك شعور بالخطر جراء الشائعة، فقد تم التعاطي مع الموضوع بتراخٍ على اعتبار أن المجموعة المتورطة فيه محدودة: سلطان احمد عمر، عبدالحافظ قائد، عبدالرحمن محمد سعيد، عبدالقادر سعيد. لم يكن الأمر مدعاة للقلق قبل ذلك. بل إن عبدالحافظ قائد وعبدالقادر سعيد كانا يحضران كافة الاجتماعات الموسعة للجبهة القومية. وكان يخصص لعبدالقادر سعيد راتب شهري مثله مثل قحطان وعلي السلامي، والأخير كان مسؤولاً مالياً. وأريد أن أوضح هنا بأني لم أكن يوماً مسؤولاً مالياً كما جاء في كتاب راشد محمد ثابت عندما أورد صورة تجمعني بعلي عنتر وعلق تحتها بأن عبدالحميد الشعبي هو المسؤول المالي.
الحاصل أن فيصل لم يبادر للمعالجة، وكان تراخيه أول غلطة يرتكبها، لاحقاً طُرح الموضوع في اجتماع موسع لشباب الحركة (والجبهة) في تعز، على هيئة السؤال: لماذا انفصلت القيادة الموحدة؟ لم يتجرأ أحد على القول بأن فيصل هو السبب. في تلك الأيام اعتقلت القوات البريطانية في عدن أكثر من 40 فدائياً، وكشفت الكثير من المواقع، فأصيب العمل الفدائي في عدن بالشلل. في يوم انعقاد الاجتماع الموسع للشباب في 9/10/1965، تحرك فيصل إلى عدن رفقة عبدالرب علي محمد (مصطفى). وهو أصلاً لم يكن راضياً عن عقد الاجتماع. وفي عدن اعاد ترتيب جبهة عدن. واستغل البعض الاجتماع للتحريض ضد فيصل وقحطا

صـفـحـــــات مـن الـــــتاريـخ ( 1- 18

عبدالحميد الشعبي - عضو المكتب العسكري للجبهة القومية يروي تفاصيل مثيرة عن الكفاح المسلح في الجنوب: (الحلقة الأولى) خضعت «شعب» لسلطة الإمام يحيى، لكن أبناءها لم يستطيعوا التعايش مع استبداده، فبدأت المقاومة
* تمتع السلطان محسن بحس حضاري، وقد أنشأ المدرسة المحسنية في لحج، وخصص ريع ألف فدان من أرضه لتحسين المدرسة
* لم يكن هناك أي تمايز بيننا نحن القادمين من الريف وزملائنا العدنيين
ولد عبدالحميد عبدالعزيز محيي الدين الشعبي في قرية «شعب»- الصبيحة، عام 1938. كان قد مضى على اندحار دولة الإمام يحيى عن مسقط رأسه نحو 5 أعوام. كانت قوات الإمام يحيى قد تمكنت من الحلول محل القوات التركية المنسحبة من اليمن، في 1919. وقد بسطت الدولة المستقلة الأولى سلطتها على الصبيحة ومناطق أخرى جنوبية باعتبارها قطعة من أرض الآباء والأجداد، بحسب المفردات المفضلة للإمام يحيى إذ يساجل العدو الخارجي (بريطانيا) في احقيته في حكم اليمن التاريخي.
تمخض الحلم الوطني (المتوكلي) عن كابوس محلي. فقد أغدق الإمام يحيى (البطل الاستقلالي لدى قوميين عرب وتنويريين في المشرق والمغرب العربيين) مكرماته على رعاياه الجدد، وفي الصدارة تعميم نظام «الرهائن» جنوباً. كان والد عبدالحميد (عبدالعزيز محيي الدين) أحد الأطفال الذين انتُزعوا من رعاية أسرهم، إذ أُخذ كرهينة إلى التربة (مركز قضاء الحجرية). والحال أن أبناء «شعب» تذوقوا الحكم الوطني المستقل باكراً.
وبعد 14 سنة فجّروا انتفاضة مسلحة ضده. انسحبت قوات الإمام بعد معارك دامية دامت أسبوعين، وبقي الحلم بحكم وطني ذي مذاق مختلف يراود أبناء «شعب».
كبُر عبدالحميد في كنف «شعب»، التي أخرجت العشرات من القيادات السياسية و«الحركية» الوطنية، وفي المقدمة قريباه: قحطان الشعبي، وفيصل عبداللطيف.
في 1957 غادر عدن إلى مصر، حيث ساقته محض تعقيدات فنية إلى مواصلة دراسته الثانوية فيها بدلاً من استئناف رحلته إلى العراق. وهناك استقطبه فيصل إلى حركة القوميين العرب، التي كانت تقترب من القيادة الناصرية باعتبارها -حسب أدبيات الحركة- القيادة الرسمية للحركة القومية العربية. وعندما قامت ثورة سبتمبر في شمال اليمن، تعززت فكرة الكفاح المسلح لدى الحركة التي كانت قد أعلنت منذ وقت مبكر يأسها من إمكان انسحاب البريطانيين من الجنوب بالوسائل السلمية. كان عبدالحميد سنتذاك طالباً في كلية الشرطة. وقد عاد بعد تخرجه إلى عدن، لكن لم يتمكن من الحصول على أية وظيفة. وقد غادر إلى القاهرة، ملتحقاً بقحطان الشعبي، الذي كان يدير حوارات ومشاورات مع شرائح مختلفة من أبناء الجنوب لإعلان جبهة قومية تتصدى للكفاح المسلح. وهما عادا إلى صنعاء، وشرعا في التحضير لحرب التحرير بعد طول عناء من أجل إقناع القيادة المصرية والسلطة الجديدة في صنعاء بدعم الكفاح المسلح ضد الانجليز. بعد ضوء أخضر من عبدالناصر، بدأ التحضير الفعلي لــ«الكفاح المسلح» في تعز. وقد أشرف عبدالحميد الشعبي مع آخرين على تدريب المقاتلين من أعضاء الجبهة القومية وأبناء القبائل. كان عضواً في المكتب العسكري، وكانت مهمته تقتضي أيضاً التنسيق مع المكتب العربي (المصري) في تعز، وتأمين انتقال المتدربين إلى الجنوب. كانت مهمة استثنائية لرجل ما يزال يصر على أنه شخص «عادي جداً». وقد انغمس، في تلك السنوات الفاصلة، في التفاصيل، فيما كان عديدون يحلقون وراء الوعد الكبير بالاستقلال الوطني الناجز. وقد رأى الرجل الــ«عادي جداً» الكثير من النقائص والمنغصات، وخبر معنى تحول الوعد إلى واقع، مستفيداً من شبكة علاقات واسعة ومعقدة. ومن موقعه القريب في تعز عاش الوحدوي «الشعبي» في الداخل الجبهوي وخارجه في آن.
كان في الشمال وفي الجنوب معاً. وكان «حركياً» مطلوباً لأجهزة المخابرات في تعز، وضابطاً مسؤولاً عن ملاحقة أعداء الثورة والنظام الجمهوري في مرحلة لاحقة. وإذْ أمكن للجبهة القومية أن تنجز هدفها الاستراتيجي في 1967، فقد توجب على عبدالحميد الشعبي أن يجرِّب مذاق الحكم الوطني في الجنوب بعد الشمال. ولئن خفَّف الوعد الكبير بالاستقلال من مرارات تجربته في تعز، فإن وعوداً كبيرة، أخرى خذلته لاحقاً، وآخرها وعد «الوحدة» الذي تنزل عام 90، ثم ما لبث أن تقزم في حرب 1994.
وبروحية مناضل «عادي جداً» يؤدي مهمة استثنائية تمكن من نسج علاقات في أكثر من اتجاه. فإلى قربه من قحطان وفيصل وغيرهما من قادة الجبهة القومية، أدار علاقات تنسيقية مع زملائه في كلية الشرطة، الذين تخرجوا معه، وصاروا مسؤولين في مواقع أمنية «حسَّاسة» في تعز وصنعاء. كما حافظ على علاقات قديمة بالعديد من الضباط الجنوبيين الذين اختاروا لأسباب عديدة مسارات أخرى في الشمال.
بعد أربعة عقود من ثورة أكتوبر، اندلعت حرب في اليمن (شماله وجنوبه)، وقُدِّر للمناضل الــ«عادي جداً» أن يخبر مذاق الحكم الوطني الوحدوي، تماماً كما قُدِّر لجده وأبيه. وقد تلقى عبدالحميد الشعبي، الوكيل في مصلحة الجمارك، مذكرة «تاريخية» من رئيس المصلحة في صنعاء، تشعره بتسري من وظيفته. حدث ذلك بعد أسابيع قليلة من انتهاء حرب 1994.
في بيته في خورمكسر- عدن أمضت «النداء» ساعات طويلة رفقة تاريخ حي من دم وأعصاب، فكانت هذه الشهادة المهمة التي تدحض الكثير من المسلمات و«المركزيات» في التاريخ اليمني الحديث.
حوار: سامي غالب - باسم الشعبي

> ولدت في قرية شعب عام 1938، وكانت هذه من المناطق التي خضعت لسيطرة الإمام بعد انسحاب الأتراك، ماذا بقي من طفولتك الباكرة من أحاديث عن تلك الفترة؟
- في 1919 انسحبت تركيا من اليمن، كانت «شعب» حينها جزءاً من اليمن الشمالي، واستمرت كذلك حتى 1933. كان الإمام يحيى يأخذ رهائن من المشائخ.
كان والدي طفلاً صغيراً، وقد اضطر والده (جدي) إلي تسليمه كرهينة في التربة (مركز قضاء الحجرية). كما كان يُقال من الكبار، شاع الظلم في قريتنا، كما هو الحال في جميع القرى في الشمال. لم يستطع أبناء منطقتنا التعايش مع استبداد الحكم الإمامي، فانتفضوا وبدأوا المقاومة. قيل لنا إن المقاومة استمرت أسبوعين، كان بعض جنود الإمام قد تمركزوا داخل بيوت في القرية قبل اندلاع. ودارت المعارك من بيت إلى بيت.
> هل سمعت عن أشخاص قتلوا في هذه المعارك؟
- أية معارك تستمر من قرية إلى قرية ومن بيت إلى بيت ينجم عنها قتلى.
> هل قُتل أحد من أقاربك؟
- لست متأكداً من ذلك، ولكن والدي أصيب في رقبته، حسبما قال لي.
> كان قد أفرج عنه قبل المعارك، أم تراه أخذ رهينة بعد ذلك؟
- كان رهينة قبل ذلك، وأُطلق سراحه لأن حالته الصحية ساءت. وخشية وفاته في الرهن، طلبوا من جدى أخذه.
> كم أستمر رهينة في التربة؟
- لم أسأل والدي عن ذلك.
> هل كان يقص عليك محنة أخذه كرهينة، وكيف كان يُعامل؟
- لم يحدث أن روى لي ذكرياته في الرهن.
> ماذا كان رأيه في الإمام يحيى؟
- لم نتطرق إلى هذا.
> متى توفي؟
- في 1973.
> درست في طفولتك الباكرة في معلامة القرية من كان الفقيه (أو السيد) في المعلامة؟
- علي سعيد راوح.
> من تذكر من رفاقك في المعلامة، وصار لاحقاً معروفاً؟
- حميد محمد سالم. وهو بعد 22 يونيو 1969، خرج (من الجنوب) إلى الشمال، ثم راح الخليج. عاد في 1992 واستمر إلى 1994 لكنه قرر العودة إلى الخليج لأنه لم يحتمل الوضع بعد الحرب.
> ومن أيضاً؟
- سعيد علي راوح، إبن الفقيه على راوح، وكان نقابياً معروفاً.
> قريتك هي مسقط رأس فيصل عبداللطيف الشعبي ( مؤسس فرع حركة القوميين العرب في اليمن)، كم الفارق العمري بينكما؟
- نحن من أسرة واحدة، وهو يكبرني بـ3سنوات فقط. وكان يدرس في مدرسة جبل حديد، ثم انتقل إلى المدرسة المحسنية في لحج.
> عندما دخلت المعلامة كان قد غادر إلى عدن ثم لحج؟
- نعم، وكان يتردد على القرية في الإجازات؟
> في تلك السن المبكرة، هل كان يحدثك عن عدن، وعن الاحتلال البريطاني؟
- لا.
> ماذا عن قحطان الشعبي (أول رئيس جنوبي بعد الاستقلال).
- كان يكبرنا كثيراً، حوالى 12 سنة. هو درس في جبل حديد، وثم في السودان، وتخرج كمنهدس زراعي، وعين في عدن ضابطاً زراعياً.
> والدك كان شيخاً، صحيح؟
- هو أقرب إلى أن يكون مصلحاً اجتماعياً.
> أفهم أنه كان يقرأ ويكتب، هل كان يعرف الأستاذ النعمان، فمنطقتكم متاخمة للحجرية، كما أنه عاش رهينة في التربة؟
- كان يصغر النعمان بكثير، ولم يكن يعرفه.
> بعد المعلامة، انتقلت إلى الحوطة للدراسة في المدرسة المحسنية؟
- نعم، لمدة سنة وشهرين فقط.
> كيف كان يتم الالتحاق بالمدرسة، هل كان على أساس منح، أم أن والدك هو الذي أرسلك على نفقته الخاصة؟
- درست على حساب والدي.
> من كان معك من القرية؟
- كان فيصل موجوداً في نفس المدرسة، وكان في المرحلة الاعدادية.
> هل كان في المدرسة مدرسون مصريون؟
- نعم، وهناك أيضاً مدرسون يمنيون من أبناء لحج.
> هل تذكر أحداً أو تفاصيل معنية من هؤلاء المدرسين؟
- لا، فقد بقيت هناك موسماً دراسياً واحداً، ثم انتقلت إلى المدرسة الأهلية في التواهي لمدة 3 أشهر، ثم انتقلت إلى مدرسة النهضة واستمريت حتى الثالثة متوسط.
> ما سبب هذه الانتقالات؟
- حدثت مشكلة في لحج ما بين السلطان فضل عبدالكريم، وأبناء عمه. السلطان قتل 3 من أبناء عمه، ثم هرب إلى الشمال. أخوه علي عبدالكريم انتقل من عدن إلى لحج. وكانت الاضطرابات سبب نقلي إلى عدن.
> انتقلت إلى المدرسة الأهلية في التواهي، هل كانت مفتوحة لأبناء المحميات؟
- نعم، وكذا لأبناء الشمال.
> ألديك فكرة عمن أنشأها؟
- ليست لدي فكرة، ولكن أذكر الاستاذ علي عثمان مصفري، كان يدرِّس فيها، وهو من أدخلنا فيها. أمضيت 3 أشهر، ثم نقلني فيصل إلى مدرسة النهضة بسبب عدم توفر مسكن لي هناك.
> أكان المستوى الاجتماعي رفيعاً شوية؟
- نعم، لأن الميناء هناك، وكان عدد المساكن قليل جداً.
> وربما لأن مركز السلطة هناك، وكانت الطبقة الراقية تقطن هناك؟
- لا. الانجليز كانوا يسكنون في مناطق خاصة بهم. كنت اسكن في حجيف (التي كانت تمتد حينها إلى القلوعة). كان أحد ابناء القبيطة يعمل حارساً، وهو صهر والدي، وقد سكنت عنده 3 أشهر.
> النهضة كانت مدرسة أهلية إبتدائية وإعدادية، بينما كنتم محرومين من دخول المدارس الحكومية؟
- كنت هناك صعوبة كبيرة في الالتحاق بالمدارس الحكومية، وكان الذين لدى آبائهم قدرة مالية يلتحقون بمدارس أهلية، وقد التحقت على حساب والدي، وكنت أدفع 10 شلن شهرياً.
> يمكن أن نقول أن اسرتك كانت ميسورة الحال؟
- كان أبي يملك أراضي.
> مدرسة النهضة موجودة في الشيخ عثمان، وهي كانت مستقر الوافدين من المحميات والشمال، هل كنت تلحظ تمايزات فيما بين طلاب المدرسة؟
- إطلاقاً، لم يكن هناك أية تمايزات، ولم يكن في وسع أحد أن يُميِّز الشمالي من الجنوبي.
> ماذا بشأن اللهجات ألم تكن تواجه صعوبة في استيعاب لهجة بعض زملائك؟
- ليس دائماً. في عام 1955 التحق مدرسون قدموا من الشمال، وكان أحدهم ينطق القاف على الطريقة المصرية، فإذا أملى علينا كلمة «قال» نطقها «آل» فأكتبها بالألف.
وعندما استلمت ورقتي اكتشفت أنه أشَّر عليها بعلامة خطأ. ذهبت إليه محتجاً على اعتبار أنني كتبت الكلمة كما ينطقها. ولاحقاً أبلغ مدير المدرسة محمد سعيد مسواط قحطان الشعبي بالواقعة، وقد أوضحت لقحطان أنني كتبت الكلمة كما نطقها المدرس.
> كان معكم كثر من مناطق في الشمال، هل كنتم تعرفون من أي مناطق هم بالضبط؟
- لم نكن نسأل عن تفاصيل المناطق. كنا نعيش كأسرة واحدة.
> هل كان في المدرسة سكن داخلي؟
- لا. كنا نسكن في دار الضيافة في الشيخ عثمان الذي كان مخصصاً لوجهاء الجنوب: سلاطين وغيرهم. وأتذكر أحد السلاطين كان يأتي إلى الدار حاملاً «كمبل» (بطانية) ومخدة.
> المدرسون كانوا عدنيين ومن الشمال؟
- درسني محمد مرشد ناجي. وحينها كان قد بدأ يحترف الغناء.
> ماذا درسك؟
- اللغة الانجليزية.
> كيف كانت علاقتكم كطلاب به؟
- كنا نحترمه ونقدره. وهو درسنا 3 سنوات: أولى وثانية وثالثة متوسط.
> إلى مسواط والمرشدي من تتذكر؟
- عبدالرزاق معتوق، وعلي احمد ثابت لاعب الكرة الشهير الذي كان يلقب بـ«بساط الريح».
> كان المنهج يشمل الرسم والرياضة، أكنت تمارس رياضة معنية؟
- لا. كنت أهتم بالدراسة فقط.
> في تلك الفترة (52-55) نشأ حزب الرابطة، هل لمست حضوراً حزبياً أو استقطاب من أي نوع في المدرسة؟
- كنا ما نزال بعيدين عن السياسة.
> في 1948، وكنت في العاشرة، وقعت نكبة فلسطين، أتذكر شيئاً عن ذلك الحدث؟
- كنت ما أزال في القرية. لا توجد أجهزة راديو، ولم أسمع شيئاً عن ذلك.
> سواء في القرية أو في لحج هل كان هناك أية معالم عن حضور بريطاني؟
- لا. كان سلطان لحج هو الذي يدير العلاقة مع البريطانيين.
> حدثني عن سلطان لحج علي عبدالكريم، أكان محبوباً؟
- كان حضوره شكلياً.
> لكنه كان مهتماً بالثقافة والتعليم؟
- طبعاً. سلاطين لحج هم من بدأ بإقامة المدارس. على سبيل المثال المدرسة المحسنية. السلطان محسن تبرع لبناء المدرسة، وبعدها خصص ريع حوالى ألف فدان من أراضيه لتحسين المدرسة. كان لديه حس حضاري؛ من يعمل هذا الآن؟
> برزت شخصيات فنية وأدبية حينها في لحج، من يمكن أن تذكر؟
- عبدالله هادي سبيت.
> لاحظت صورة تجمعكما في القاهرة نهاية الخمسينيات؟
- كان لاجئاً في القاهرة.
> ماذا يمكن أن تقول فيه؟
- كان شخصية وطنية. هو غني عن التعريف. كنا نحترمه. وكان يهتم بالجلوس مع الطلبة ويزورهم. سلوكه راق جداً.
> ماذا عن الفنانين، فلحج اشتهرت بفنانين كبار؟
- لم نكن نختلط بهم أو نسمع تسجيلاتهم.
> ربما في قريتك، ولكن في عدن، كما تعرف، كانت هناك محال تسجيلات شهيرة، يسجل فيها فنانون من المنطقة وحتى من الخليج.
- في تلك السن لم نكن نهتم كثيراً بالأغاني، ونكرِّس جهدنا للدراسة.
> يبدو لي أنك لم تكن تعاني في تلك الفترة المبكرة في المدرسة من اختناقات مالية أو أية مشاكل في تدبير مستلزمات مصاريفك وأقساط المدرسة؟
- لا.
> ماذا عن فيصل عبداللطيف، أين كان خلال النصف الأول من الخمسينيات؟
- هو أكمل الدراسة في مدرسة جبل حديد، ثم انتقل إلى المدرسة المحسنية في لحج. أكمل الاعدادية هناك، ثم انتقل إلى القاهرة في 1954.
> في مدرسة النهضة، من كان يصمِّم المناهج التعليمية؟
- الأهالي أنفسهم، المشرفون على المدرسة: مسواط وآخرين.
> في مادتي التاريخ والجغرافيا ما هو الوطن الذي كان في المناهج، هل اليمن، الجنوب، عدن، ما هو بالضبط؟
- لم يكن يظهر له أثر، لا جغرافيا ولا تاريخ.
> ألم تدرسوا موضوعات محددة، جغرافية عدن مثلاً؟
- لم يكن هناك شيء إسمه جغرافية عدن، ولا جغرافية الجنوب؟
> جغرافية ماذا إذاً؟
- العالم كله. لكن اسم اليمن لم يكن حاضراً في المناهج، لا جغرافيا ولا تاريخ.
> وماذا كانت مواقف أو إشارات المدرسين باتجاه دفع الروح الوطنية، مثل محمد مرشد ناجي، وهو مثقف وصاحب رأي، ومنخرط في السياسة؟
- لم يكن يحدث هذا، خاصة في تلك السنوات.
> من تتذكر من طلاب مدرسة النهضة، وعرفتهم لاحقاً في حركة القوميين العرب، أو في الحركة السياسية عموماً، أو برزوا كفنانين أو رياضيين أو فدائيين؟
- لا أتذكر أحداً من دفعتي.
> وماذا عن المدرسين غير محمد مرشد ناجي؟
- محمد سعيد مسواط كان له دور سياسي. محمد أحمد ثابت برز كلاعب كرة قدم، وكان يطلق عليه وصف «بساط الريح».
> هل كنت تهتم انت بمتابعة أو بممارسة أية رياضة في تلك الفترة التي شهدت فيها عدن طفرة في النشاط الرياضي؟
- لا.
> أكنتم تدركون فروقاً بينكم أنتم القادمين من الريف وزملاءكم العدنيين؟
- أبداً، لم يكن هناك أى تمايز.
> هل السبب أن سكان الشيخ عثمان معظمهم وافدين على عدن، وليسوا من السكان القدامى؟
- ربما، ومع ذلك في الفترة التي أمضيتها في عدن حتى نهاية 56 لم ألمس أية تمايزات.
> في 1956 انهيت المرحلة الاعدادية، ومباشرة بعد ذلك ذهبت لإكمال الدراسة في ثانوية حلوان في مصر. حدثني كيف تم الترتيب لذلك؟
- ذهبنا عن طريق سلطنة لحج. كنت أحمل رسالة إلىالعراق للدراسة هناك. عندما وصلنا القاهرة حدث العدوان الثلاثي (اكتوبر 1956)، فلم اتمكن من المغادرة من مصر إلى العراق. فيصل عبداللطيف كان موجوداً في القاهرة، وقد اتفق مع مشرف البعثة التي تتبع السلطنة اللحجية أن يرتب لي وضعي في القاهرة، وتم تدبير مقعد دراسي لي على حساب المؤتمر الاسلامي الذي كان مسؤولاً عنه محمد انور السادات. تم استيعابي في القسم الداخلي بمدرسة حلوان، وكنت أحصل على 2 جنيه شهرياً كمصاريف جيب.
> قبل أن تغادر إلى القاهرة، بالتأكيد كنت قد سمعت عن إذاعة «صوت العرب»؟
- بعد الثورة المصرية (يوليو 1952)، كنا نسمع الراديو، ونسمع عن صوت العرب.
> هل سمعت عن شخص اسمه محمد نجيب؟
- نعم. كنا نسمع عنه وعن جمال عبدالناصر وآخرين.
> كيف كانت صورة عبدالناصر، ومشاعرك تجاهه؟
- كان يمثل لنا نموذج (الزعيم)، لكن لم يكن حينها بعد البعد السياسي للإلمام بشخصيته.
> من كان معك في البعثة؟
- احمد علي العقربي، سعيد عبده، وعلي بن علي، وهو الآن مسؤول عن فرع حزب الرابطة في لحج.
> كانت تلك أول مرة تركب فيها طائرة، ما كان نوعها؟
- كانت طائرة مصرية. اعتقد ان الطيران المصري كان لديه رحلة أسبوعية إلى عدن.
> ماذا تتذكر من الرحلة، وكم استغرقت؟
- بعد اقلاع الطائرة فجراً بفترة قصيرة، حصل فيها عطب، واضطر طاقم الطائرة إلى الهبوط في ميناء عصب «الاريتري»، وبعد إصلاح العطب، عدنا إلى الطائرة واقلعت من عصب، لكنها أصيبت مجدداً بعطب آخر، فهبطت في بور سودان، وتم اصلاحها، ثم أقلعت باتجاه القاهرة التي بلغناها بعد العصر.
> كيف كانت مشاعركم، هل أصابكم الذعر، أم أن طاقم الطائرة لم يشعركم بوجود أعطاب؟
- كانت تلك أول مرة نركب طائرة، ولم يكونوا يبلغونا بوجود عطب، كان الأمر بالنسبة لنا عادياً.
> حدثني عن كلفة انتقالك إلى القاهرة، ونفقات المقعد الدراسي؟
- كانت السلطنة تتولى تغطية تذكرة الطيران ذهاباً وإياباً. المقعد الدراسي كان مجانياً، وكان المؤتمر الاسلامي يوفر لنا 2 جنيه شهرياً كمصاريف.
- هل كان المبلغ يكفيك؟
> طبعاً. كنت أنفق حينها جنيه ونصف، وأوفر نصف جنيه شهرياً.
> لحظتها وقع العدوان الثلاثي؟
- نعم، وتوقفت الدراسة لمدة شهرين، واستؤنفت الدراسة في مطلع عام 1957.
> وقتها كان المد القومي صاعداً، وبدأ تمجيد القومية العربية والتبشير بقيم جديدة حداثية في العالم العربي، كيف كان وقع ذلك عليكم كطلاب يمنيين في مصر؟
- بعد العدوان الثلاثي بدأنا ندرك أبعاد الاستعمار، ونستكشف واجباتنا كأبناء العروبة.
> هل سمعت عن شباب يمنيين تطوعوا في المقاومة الشعبية في القاهرة أو بور سعيد؟
- تطوع بعض الشباب، ولكن في القاهرة. فيصل عبداللطيف كان أحد هؤلاء.
> من الواضح أن فيصل كان له تأثير في مسارات حياتك في محطات مختلفة، حدثني عن علاقتك به في تلك الفترة المهمة؟
- كنت في حلوان وكان في القاهرة يدرس في كلية التجارة. كنت أسبوعياً أمضي الإجازة في بيته في القاهرة. كان يسكن مع طلاب آخرين بشقة في جاردن سيتي.
> أليس غريباً أن يستأجر طلاب شقة في أحد الأحياء الراقية في القاهرة؟
- كان الحي راقياً فعلاً، ولكن الإيجارات كانت رخيصة، لا تتجاوز الستة جنيهات.
> من كان يشاركه الشقة؟
- اتذكر صالح حرسي، وأحمد سعيد صدقة، وكانا يدرسان الطب، وهما من لحج.
> كانوا أكبر سناً منك، ماذا كان يلفت انتباهك في الشقة؟
- لا أتذكر شيئاً لافتاً. كان فيصل منخرطاً في السياسة في حركة القوميين العرب. لكن رفيقيه في الشقة لم يكونا مهتمين بالسياسة.
> ألم يلفت نظرك شيئاً، صورة زعيم, كتباً معنية...؟
- أبداً لم تُعلق في الشقة صورة أي زعيم، لا يمني ولا عربي. كان هناك كتب تثقيفية لأعضاء الحركة، لكنه لم يكن يلتزم قراءة كتب الحركة فقط، كان يقرأ كثيراً من خارج المنهج التثقيفي.
> كنتم يومي الخميس والجمعة تخرجون للنزهة، وتذهبون للسينما، وكنت بالطبع تعرف السينما من عدن..؟
- لم أدخل السينما في عدن، فكنت أكرس وقتي وجهدي للدراسة. وفي القاهرة دخلت السينما لأول مرة.
> متى انضممت إلى حركة القوميين العرب؟
- في عام 1957.
> هذه مرحلة مبكرة جداً، على ما يبدو فأنت أيضاً من أول من التحق بالحركة من اليمنيين بعد فيصل.
- فيصل كان اليمني الأول، وبعده سلطان أحمد عمر ويحيى عبدالرحمن الإرياني وعبدالحافظ قائد.لا استطيع الجزم بتاريخ التحاقهم بالحركة. لكنهم سبقوني، وكانوا في القاهرة. كان معنا أيضاً مطهر الإرياني. كنا في خلية واحدة، إلى جانب عبدالحافظ قائد وعبدالله محمد نعمان القدسي.
> كيف انضممت إلى الحركة؟ ومن استقطبك إليها؟
- فيصل هو من استقطبني. في البدء أعطاني كتاب «معركتنا العربية»، وهو كتاب صادر عن الحركة. وبعدها انضممت إلى الحركة.
> هل أديت قسماً محدداً؟
- لم يكن هناك قسماً.
> كيف كان تأثير انضمامك إلى الحركة على شخصيتك أنت الطالب الذي كانت اهتماماته عادية، وطرأ تحولاً مهماً على حياته بانضمامه لحركة قومية عربية في تلك الفترة؟
- أولاً، العدوان الثلاثي كان له تأثير هائل عليَّ. كنا نرى الطائرات البريطانية تقوم بعمليات قصف رهيبة، فتحوِّل القاهرة إلى كتلة نار. كان لذلك وقع شديد علينا. وقد تأثرنا كثيراً أثناء العدوان بوقفة عبدالناصر، وجسارته، في مواجهة العدوان.
> لا شك أن ذلك دفعك إلى الانتماء للحركة التي انحازت وقتها إلى قيادة جمال عبدالناصر؟
- نعم.
> هل كانت زعامة عبدالناصر، وتأثيرة الهائل، أحد أساليب الاستقطاب للحركة؟
- كان المدخل هو الحديث عن فشل الأحزاب القائمة وقتها أو قبل الثورة المصرية.
كانت الحركة لا تعرِّف نفسها باعتبارها حزباً بل حركة، وعلى هذا الأساس التحقنا بها. ولاحقاً بدأت الحركة تميل إلى عبدالناصر، خصوصاً بعد الوحدة المصرية - السورية عام 1958.
> كنت بعدها كطالب تعود إلى عدن ولحج سنوياً أو كل سنتين، وكانت زعامة عبدالناصر قد تكرست في العالم العربي، كيف كان المزاج الشعبي هنا، في عدن ولحج، تجاه عبدالناصر؟
- كان الناس يعتبرونه زعيماً عربياً، وليس زعيماً مصرياً فحسب.
> في مدرسة حلوان، هل لمست تمايزات في مواقف زملائك المصريين تجاه عبدالناصر؟
- لم ألمس ذلك وسط الطلاب المصريين، لكن بعض المدرسين كانوا يبدون تذمراً من وجودنا كطلاب عرب. أذكر أن أحد المدرسين قال لنا بالنص محتجاً: انتم تحتلون مقاعد أبنائنا. وقد تصديت له بالقول بأننا عرب، وعبدالناصر لا يقر ما تقوله. لم يرد عليَّ وقد استغربت موقفه خصوصاً أنه كان يدرس مادة اللغة العربية. وبدأنا نعرف بوجود قلة من المصريين تناوئ عبدالناصر. تجنب هذا المدرس توجيه أية انتقادات لاحقاً. وأذكر موقفاً ظريف له، إذ أن أحد زملائي المصريين كان يعجز عن نطق حرف الثاء بشكل صحيح، كان ينطقة كما غيره من المصريين مثل حرف السين، وقد زجره المدرس قائلاً: كسَّر الله من أمثالك